بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) [آل عِمرَان : ١٠٣] قالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الاعتصامُ بحبل الله هو تَرْكُ الفُرْقَةِ واتّبَاعُ القرآنِ ، وإيَّاه أَرَادَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ بقوله : عليكم بحبْل الله فإِنَّه كتاب الله.
وقال ابن الأعرابي : الحِبْلُ الرجل العالِمُ الفَطِنُ الدَّاهي. قال وأنشدني المُفَضّل :
فيا عجباً للخود تبدي قناعها |
تُرَ أرِىءُ بالعيْنَيْنِ للرجُلِ الحِبْلِ |
يقال رَأْرَأَتْ بِعَيْنيها وغَيَّقَتْ وَهَجَلَتْ ؛ إِذَا أَدَارَتْه تَغْمِزُ الرَّجُلَ.
قال أَبُو عبيد وأصْل الحَبْلِ في كلام العربِ يتصرَّف على وجوهٍ ، منها العَهْدٌ وهو الأَمَانُ ، وذلك أنَّ العربَ كانَتْ يُخِيفُ بعضُها بعضاً في الجاهلية ، فكانَ الرجلُ إذا أَرادَ سَفَراً أخذ عهْداً من سيد القبيلة ، فيأمنُ به ما دَامَ في تلك القبيلة حتى ينتهي إلى الأخرى فيأخُذُ مثل ذلك أَيْضاً يُرِيدُ به الأَمَانَ. قال فمعنى الحديثِ أَنَّهُ يقول : عَلَيْكُم بكتابِ الله وتَرْكِ الفُرقة فإِنَّه أَمَانٌ لَكُمْ وعَهْدٌ من عذَاب الله وعِقَابِه. وقال الأعشى يذكر مسيراً له :
وإذا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبِيلَةٍ |
أَخَذَتْ من الأُخرَى إليْكَ حِبَالَها |
قال : والحَبْلُ في غير هذا الموضِعِ المُوَاصَلَةُ وقال امرؤُ القيس :
إني بحبلك وَاصِلٌ حَبْلي |
وَبِريش نَبْلِك رائِش نَبْلي |
قال : والحَبْل مِنَ الرَّمْلِ المُجْتَمِعُ الكَثِيرُ العَالِي. الحرَّانِيُّ عن ابن السكيت قال : الحَبْلُ الوِصَالُ ، والحَبْلُ رَمْلٌ يستطيل ويمتد ، والحَبْلُ حَبْلُ العاتق ، والحَبْلُ الوَحِدُ مِنَ الْحِبَالِ. وهذا كلُّهُ بفَتْحِ الحاءِ.
قال : والحِبْلُ الدَّاهية وجمعه حُبُولٌ وأنشد لكثير :
فلا تَعْجَلي يا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي |
بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أَمْ بِحُبُول |
وقال الآخرُ في الحبل بمعنى العهد والذّمة :
ما زلتُ مُعْتَصِماً بِحَبلٍ منكُم |
من حَلّ سَاحَتَكُمْ بِأسْبَابٍ نجَا |
بِحَبْلٍ أي بِعَهْدٍ وذِمَّةٍ.
وقال الليث : حَبْلُ العَاتِق وُصْلَةٌ ما بين العاتِق والمَنْكِب. وحَبْلُ الوَرِيدِ عِرْقٌ يَدِرُّ في الحَلْقِ. والورِيدُ عرقٌ يَنْبِضُ من الحيوان لا دَمَ فِيه. وقال الفرَّاءُ في قول الله جلّ وعزّ : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] قال : الحَبْلُ هو الوَرِيدُ فَأُضِيفَ إلَى نَفْسِه لاختلافِ لَفْظِ الاسْمَيْنِ. قال والورِيدُ عِرْقٌ بَيْنَ الحُلْقُومِ والعِلْبَاوَين. وقال أَبُو عُبيد قال الأصمعيّ : من أَمْثَالهِم في تسهيلِ الحاجةِ وتَقْرِيبِها : هو عَلَى حَبْل ذِرَاعِك ، أي لا يُخَالفك : وحبل الذِّرَاع عِرْقٌ في الْيَدِ. وحِبَالُ الفَرَسِ عروقُ قوائِمِهِ. ومنه قول امرىء القيس :
كأَنَّ نُجُوماً عُلِّقَتْ في مَصَامِه |
بأمْرَاسِ كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ |
والأمْرَاسُ الحِبَالُ ، الواحدةُ مَرَسَةٌ ، شَبَّه عُروقَ قَوَائِمِه بِحبَالِ الكَتَّانِ ، وشبه صلابة