ذلك أنك تقولُ : أمَرْتُ عَبْدِي وإخْوَتِي فأطاعُوني إلّا عَبْدي.
وكذلك قولُه تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧)) [الشعراء : ٧٧] فربّ العالمين ليس من الأوَّلِ ، لا يَقْدِرُ أحدٌ أَنْ يعرف من معنى الكلام غير هذا.
وقولُه جلَّ وعزَّ : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات : ١٥٨].
قالوا : الجِنَّةُ : الملائكةُ هاهُنا عَبَدَهُمْ قومٌ من العرب.
وقال الفراء في قوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات : ١٥٨].
يقال : الجِنَّةُ هاهُنا الملائكةُ ، يقول : جعلُوا بين الله وبين خَلْقِهِ نسباً. فقالوا : الملائكةُ بناتُ الله ، (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أنَّ الذين قالُوا هذا القول مُحْضَرُون في النَّار.
وقال أبو زيد : يقال : ما علَيَ جَنَنٌ إلا ما ترى أي ما عَلَيَّ شيءٌ يُوارِيني.
(شمرٌ عن ابن الأعرابي) : يقال للنَّخْلِ المرتفع طُولاً : مَجْنُونٌ ، وللنّبْتِ الملْتَفّ الكثيف الذي قَدْ تأزَّرَ بعضُهُ في بَعْضٍ : مَجْنُونٌ.
وقال الفراء : جُنَّتِ الأرضُ إذا قاءَتْ بشيءٍ مُعْجِبٍ من النَّبْتِ.
وقال الهُذَليُّ :
ألمّا يَسْلَم الجيرَانُ مِنْهُمْ |
وقَدْ جُنَ العِضَاهُ من العَمِيمِ |
وقال ابن شميل : قال أبو خَيْرَة : الأرضُ المَجْنُونَةُ : المُعْشِبَةُ التي لم يَرْعَها أحدٌ ، وأتَيْتُ على أرض هادِرَةٍ مُتَجَنّنَةٍ ، وهي التي تُهالُ من عُشبها وقد ذهب عُشْبُها كلَّ مَذْهَبٍ.
وقال شمرٌ : المجنُ : التُّرْسُ ، والمِجَنُ : الوشاحُ.
قال : وسُمّيَ القَلْبُ جَناناً لأن الصَّدرَ أجَنَّةُ.
وأنشد لعديٍّ :
كلُّ حيٍّ تقُودُهُ كفُّ هادٍ |
جِنَ عَيْنٍ تُعْشيه ما هو لاقي |
قال ابن الأعرابي : قال : جِنَ عَيْنٍ أي ما جُنَ من العَيْنِ فلم ترَهُ.
يقول : المنيّةُ مسْتُورةٌ عنه حتَّى يقع فيها.
(قلت أنا) : الهادي : القَدَرُ هاهُنَا جعله هادياً لأنّه تقدّمَ المَنِيةَ وسبقها ، ونصب : جِنَ عَيْن ، بفعله أَوْقَعَهُ عليه.
وأنشد :
ولا جِنَ بالبَغْضَاء والنَّظَرِ الشَّزْرِ
ويروَى : ولا جَنَ ، ومعناهُما : ولا سَتْرَ ، والهادي : المتقَدِّمُ ، أراد أنّ القَدَرَ سابقٌ للمنِيَّةِ المُقَدّرَةِ.
وقال شمرٌ : الجَنَانُ : الأمرُ الخفِيُّ ،