قال أبو حيّان : وقواعد النّحو تأباه ، (١) لنصّهم على أنّ «حيث» لا يتصرّف ، وأنّه لا يتوسّع إلّا في الظّرف المتصرّف.
قال : والظّاهر إقرارها (٢) علي الظّرفية المجازيّة (٣) وتضمين (٤) «أعلم» معني ما يتعدّي إلى الظّرف ، فالتّقدير : الله أنفذ علما حيث يجعل رسالته ، أي هو نافذ العلم (٥) في هذه المواضع.
__________________
أن يكون مفعولا به في مورد لا يجوز لغيره.
(١) أي : تمنع أن يكون حيث مفعولا به على السعة ، لأن الظروف التي يتوسّع فيها أنما هي الظروف المتصرفة مثل يوم وشهر ودار التي تثنّي وتجمع فتوسّع فيها بمعني أنّها تقع ظرفا وغير ظرف وتقع فيما لا يقع غيره وأما حيث فليست من الظروف المتصرفة فلا سعة فيها ليجوز وقوعها مفعولا به.
(٢) أي : إبقائها على الظرفيّة لا تغييرها إلى المفعول به.
(٣) الظرفية الحقيقيّة أن يكون العامل في الظرف هو الواقع فيه نحو جلست حيث جلس زيد ، فجلست عامل في حيث وواقع فيه أيضا ، والمجازية أن يكون العامل في الظرف شيئا والواقع فيه شيئا آخر ، كما نحن فيه ، فأن العامل في الظرف أعلم والواقع فيه انفذ.
وفي بعض النسخ (المجارية) بالراء المهملة وعليه فالمعني إبقائها على الظرفيّة الأصليّة المتعارفة لا الموسعّة المتسامحة ، فحيث ظرف حقيقي ولرفع الإشكال المذكور نتصرف في (أعلم) ونضّمّنها فعلا يمكن تعديته إلى الظرف وهو انفذ.
(٤) التضمين أن نذكر كلمة من فعل أو غيره ونقصد معها كلمة أخرى ، ونأتي مع المذكورة بما لا يلائمها ، بل يختصّ بتلك الكلمة كقوله سبحانه في من يأكل مال اليتيم : (انما يأكلون في بطونهم نارا) فالمذكور يأكلون ، ولكنّ تعديته إلى النار تدل على فعل آخر يلائم النار ، وهو (يجزون) والتقدير يأكلون مال اليتيم ويجزون نارا.
فهنا المذكور (أعلم) والمقصود في ضمنه انفذ بدليل حيث ، فأن حيث ظرف وأعلم لا يقع في الظرف ، فالمناسب أن نقدر (انفذ) في ضمن أعلم ليمكن وقوعه في الظرف.
(٥) إنّما أول انفذ بنافذ ، إذ لو بقى أفعل على معناه التفضيليّ للزم تصوّر وجود نفوذ علم لغير الله بجنب نفوذ علمه مع أن صفات المخلوقين لا تقاس بصفات الله ولا وجود لها دون وجودها ، لأنّ صفاته سبحانه موجودة بالذات وصفات غيره موجودة في ظلّ صفاته لا في عرضه وبجنبه وقوله هذه المواضع أي : مواضع جعل الرسالة.