ثمّ قال ملتفتا (١) من التّكلّم إلى الغيبة (أحصى) هو فعل بمعني جمع مختصرا (من الكافية) الشّافية (الخلاصة) أى النّقاوة منها وترك كثيرا من الأمثلة والخلاف وجعله كتابا مستقلّا نحو ثلثها حجما ، وعلّة ذلك ما ذكره بقوله : (كما اقتضى) أي لأجل اقتضاء النّاظم ، أي طلبه (غنى) لجميع الطّالبين (بلا خصاصة) أي بغير فقر يحصل لبعضهم وذلك لا يحصل إلّا بما فعل ، إذ الكافية بكبرها تقصر عنها همم كثير من النّاس فلا يشتغلون بها فلا يحصل لهم حظّ من العربيّة ، فشبّه الجهل بالفقر من المال ، وقد قيل : «العلم محسوب من الرّزق». هذا ما ظهر لي في شرح هذا البيت ولم أرمن تعرّض له.
فأحمد الله مصلّيا على |
|
محمّد خير نبيّ أرسلا |
وآله الغرّ الكرام البررة |
|
وصحبه المنتخبين الخيره |
(فأحمد الله) وأشكره عود علي ما بدأ (٢) (مصلّيا) ومسلّما (علي محمّد خير نبي أرسلا) أي أرسله الله إلى النّاس ليدعوهم إلي دينه مؤيّدا بالمعجزة (وآله الغرّ) جمع أغرّ ، وهو من الخيل الأبيض الجبهة ، أي إنّهم لشرفهم علي سائر الأمّة من غير من يستثني من الصّحابة (٣) بمنزلة الفرس الأغرّبين الخيل لشرفه علي غيره منها ، ويجوز أن يكون أراد بآله أمّته ـ كما هو بعض الأقوال فيها. وفي الحديث : «أنتم الغرّ المحجّلون يوم القيامة من آثار الوضوء» (الكرام) جمع كريم ، أي الطّيّبي الأصول والنّعوت والطّاهريها (البررة) جمع بارّ ، أي ذوي الإحسان ، وهو المفسّر (٤) في حديث
__________________
(١) الالتفات باب من أبواب البلاغة وجاء في الكتاب العزيز منه سورة الفاتحة حيث التفت سبحانه من الغيبة إلى الخطاب بقوله إيّاك نعبد.
(٢) يعني ربط المصنف آخر أرجوزته بأولها برابطة الحمد لقوله أول الكتاب (أحمد ربي الله).
(٣) لكن الحق أن قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم إني مخلّف فيكم الثقلين المتّفق بين الفريقين لا يقبل الاستثناء.
(٤) يعني البارّ فسر في صحيح مسلم وصحيح البخاري بأن تعبد الله ...