وسفرها ، وإنّها لم تعدل عن تلكم النظريّة حتى بعد ما أُجهز على عثمان إلاّ لمّا علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت تُرهج النقع على عثمان ، وتهيج الأُمّة على قتله ، فكانت تروم أن تُعيد الإمرة تيميّة مرّة أُخرى ، ولعلّها حجّت لبثّ هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكة ، فكان يُسمع منها قولها في طلحة : إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا ابن عمّ! لكأنّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايَع له ، وقولها : إيه ذا الإصبع! لله أبوك ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفواً.
وقولها في عثمان : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر ، وقولها لابن عبّاس : إيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية ، وقولها بمكة : بُعداً لنعثل وسحقاً ، وقولها لمّا بلغها قتله : أبعده الله ، ذلك بما قدّمت يداه وما الله بظلاّم للعبيد.
لكنّها لمّا علمت أنّ خلافة الله الكبرى عادت علويّة واستقرّت في مقرّها الجدير بها ـ ولم يكن لها مع أمير المؤمنين عليهالسلام هوى ـ قلبت عليها ظهر المجنّ ، فطفقت تقول : لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكة بعد ما خرجت منها ، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق ، وإلاّ فما هي من أولياء ذلك الدم ، وقد وضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب ، لأنّها امرأة خلقها الله لخدرها ، وقد نهيت كبقيّة نساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة عن التبرّج ، وقد أنذرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحذّرها عن خصوص واقعة الجمل ، غير أنّها أعرضت عن ذلك كلّه لما ترجّح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة ، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب ، وقد ذكره لها الصادق الأمين عند الإنذار والتحذير ، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمّت بها الخيبة ، وغلب أمر الله وهي كارهة.