بعضهم وجوه بعض ، فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة : هل تعرف هذا الكتاب؟ قال : نعم. قال : فما ردّك على ما كنت عليه ، وكنت أمس تكتب إلينا تؤلّبنا على قتل عثمان ، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه؟ وقد زعمتما أنّ عليّا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله ، إذ كنتما أسنّ منه فأبيتما إلاّ أن تقدّماه لقرابته وسابقته فبايعتماه ، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟ قال طلحة : دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس ، فعلمنا حين عرض علينا أنّه غير فاعل ، ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار ، وخفنا أن نردّ بيعته فنقتل ، فبايعناه كارهين ، قال : فما بدا لكما في عثمان؟ قال : ذكرنا ما كان من طعننا عليه وخذلاننا إيّاه ، فلم نجد من ذلك مخرجاً إلاّ الطلب بدمه. قال : ما تأمراني به؟ قال : بايعنا على قتال عليّ ونقض بيعته ، قال : أرأيتما إن أتانا بعدكما من يدعونا [إلى ما تدعوان] (١) إليه ، ما نصنع؟ قالا : لا تبايعه. قال : ما أنصفتما ، أتأمراني أن أُقاتل عليّا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما ، وتنهياني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟ أما إنّنا قد بايعنا عليّا ، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا. قال : ثمّ تفرّق الناس ، فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف ، وفرقة مع طلحة والزبير.
ثمّ جاء جارية بن قدامة ، فقال : يا أُمّ المؤمنين لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون ، إنّه كانت لك من الله تعالى حرمة وستر ، فهتكت سترك ، وأبحت حرمتك ، إنّه من رأى قتالك فقد رأى قتلك ، فإن كنت يا أُمّ المؤمنين أتيتِنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتِنا مستكرهة فاستعتبي [الله] (٢).
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٦٠ [١ / ٦٤ وما بين المعقوفين منه]. (المؤلف)