وأنّهما لم يَريا حرجاً في إراقة دمه ، وقد استباحا عندئذ ما يحرم ارتكابه في المسلمين إلاّ أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك ، فلم يتركاه حتى أوديا به ، وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة ، فمنع عنه الماء الذي هو شرع سواء بين المسلمين ، وأنّه لم يردّ على عثمان لمّا سلّم عليه ومن الواجب شرعاً ردّ السلام على كلّ مسلم ، وقد منع عن دفنه ثلاثاً في مقابر المسلمين ، وقد أوجبت الشريعة الإسلاميّة المبادرة إلى دفن المسلم ، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولّى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته ميتاً كحرمته حيّا ، فلم يرض طلحة بالأخير إلاّ دفنه في مقبرة اليهود حشّ كوكب. وهل لهذه الأعمال وجه بعد حفظ كرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة كلّهم؟ وقبول ما ورد في الرجلين أنّهما من العشرة المبشّرة؟ إلاّ أن يُقال : إنّهما كانا يريان القتيل خارجاً عن حوزة المسلمين ؛ وإلاّ لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب تلكم الأعمال في أيّ من ساقة المسلمين فضلاً عن خليفتهم.
ونحن في هذا المقام نقف موقف المحايد ، ولسنا هاهنا إلاّ في صدد بيان آراء الصحابة الأوّلين في عثمان ، وما أفضناه من رأيهما كان معروفاً عنهما في وقتهما ، ولم يزل كذلك في الأجيال المتأخّرة عنهما حتى العصر الحاضر ، إن كانت الآراء تُؤخذ من المصادر الوثيقة ، وكانت حرّة غير مشوبة بحكم العاطفة ، نزهة عن الميول والشهوات.
وأمّا ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدّمنا وجهها في (ص ١٠١) في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير أيضاً. فقد قفّيا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا ـ إن كانا يصدقان ـ أنّها تمحو السيّئة ، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله ، فقد أراقا بها من الصفّين في واقعة الجمل دماءً تعدّ بالآلاف بريئة من دم عثمان.
وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشيّة من حشاياه من خدرها ، وقد