ثمّ شدّ فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثمّ جعل يلعن عليّا ويشتمه ويسهب في ذمّه ، فقال له هاشم بن عتبة : إنّ هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب. فاتّق الله فإنّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذُكر لي ، وأنّكم لا تصلّون ، وأُقاتلكم أنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان؟ إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حين أحدث أحداثاً وخالف حكم الكتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أُمور المسلمين ، وما أظنّ أنّ أمر هذه الأُمّة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قطّ. قال الفتى : أجل أجل والله لا أكذب فإنّ الكذب يضرّ ولا ينفع ، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم : إنّ هذا الأمر لا علم لك به فخلّه وأهل العلم به ، قال : أظنّك والله قد نصحتني ، وقال له هاشم : وأمّا قولك : إنّ صاحبنا لا يصلّي ، فهو أوّل من صلّى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله ، وأمّا من ترى معه فكلّهم قارئ الكتاب ، لا ينامون الليل تهجّداً ، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى : يا عبد الله إنّي لأظنّك امرأً صالحاً ، وأظنّني مخطئاً آثماً ، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال : نعم ، تب إلى الله يتب عليك ؛ فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، ويحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين. الحديث (١).
قال الأميني : هذا هاشم المرقال الصحابيّ المقدّس ، وبطل الدين العظيم ، وهذا رأيه في عثمان وهو يبوح به في موقف قتال حصل من جرّاء قتله ، مبرّراً فيه عمل المجهزين عليه ، ويرى أنّه خالف حكم الكتاب وأحدث أحداثاً أباحت لأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قتله وأنّ من قتله هم أهل الدين والقرآن.
__________________
(١) كتاب صفّين لابن مزاحم طبعة مصر : ص ٤٠٢ [ص ٣٥٤] ، تاريخ الطبري : ٦ / ٢٣ [٥ / ٤٣ حوادث سنة ٣٧ ه] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٧٨ [٨ / ٣٥ خطبة ١٢٤] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ١٣٥ [٢ / ٣٨٤ حوادث سنة ٣٧ ه]. (المؤلف)