باطلاً ، فإنّ خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلّب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا تستطيع دفعه. فأبى عثمان أن يخرج ، فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أما بعد : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم (١). فناداه عمرو ابن العاصي من ناحية المسجد : اتّق الله يا عثمان! فإنّك قد ركبت نهابير (٢) وركبناها معك فتب إلى الله نتب ، فناداه عثمان وإنّك هناك يا ابن النابغة! قملت والله جبّتك منذ تركتك من العمل ، فنودي من ناحية أخرى : تب إلى الله وأظهر التوبة يكفّ الناس عنك. فرفع عثمان يديه مدّا واستقبل القبلة فقال : اللهمّ إنّي أوّل تائب تاب إليك. ورجع إلى منزله ، وخرج عمرو بن العاصي حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول : والله إن كنت لألقى الراعي فأحرّضه عليه. وفي لفظ البلاذري : يا ابن النابغة وإنّك ممّن تؤلّب عليّ الطغام. وفي لفظ : قال عمرو : يا عثمان إنّك قد ركبت بهذه الأُمّة نهاية من الأمر وزغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل. وفي لفظ : ركبت بهذه الأمّة نهابير من الأُمور فركبوها منك ، وملت بهم فمالوا بك ، اعدل أو اعتزل.
تاريخ الطبري (٥ / ١١٠ ، ١١٤) ، أنساب البلاذري (٥ / ٧٤) ، الاستيعاب ترجمة عثمان ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ١١٣) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٦٨) ، الفائق للزمخشري (٢ / ٢٩٦) ، نهاية ابن الأثير (٤ / ١٩٦) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ١٧٥) ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٣٩٦) ، لسان العرب (٧ / ٩٨) ، تاج العروس (٣ / ٥٩٢) (٣).
__________________
(١) ما عذر الخليفة في هذا الكذب الفاحش على منبر النبيّ الأعظم وهو بين يدي قبره الشريف ، لعلّه يعتذر بأنّ مروان حثّه عليه ولم يكن له منتدح من قبول أمره ، والملك عقيم. (المؤلف)
(٢) النهابير والنهابر : المهالك ، الواحدة : نهبرة ونهبور. (المؤلف)
(٣) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٥٩ و ٣٦٦ حوادث سنة ٣٥ ه ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٩٢ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٤١ رقم ١٧٧٨ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٤٣ خطبة ٣٠ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٨٣ حوادث سنة ٣٥ ه ، الفائق : ٤ / ٣٥ ، النهاية : ٥ / ١٣٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٩٦ حوادث سنة ٣٥ ه ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٥٩٧ ، لسان العرب : ١٤ / ٢٩٩.