الطفيل عامر بن واثلة؟ قال : نعم. قال معاوية : أكنت ممّن قتل عثمان أمير المؤمنين؟ قال : لا ، ولكن ممّن شهده فلم ينصره. قال : ولم؟ قال : لم ينصره المهاجرون والأنصار. فقال معاوية أما والله إنّ نصرته كانت عليهم وعليك حقّا واجباً وفرضاً لازماً ، فإذ ضيّعتموه فقد فعل الله بكم ما أنتم أهله ، وأصاركم إلى ما رأيتم. فقال أبو الطفيل : فما منعك يا أمير المؤمنين إذ تربّصت به ريب المنون أن تنصره ومعك أهل الشام؟ قال معاوية : أوَما ترى طلبي لدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل وقال : بلى ، ولكنّي وإيّاك (١) كما قال عبيد بن الأبرص (٢) :
لأعرفنّك بعد الموت تندبني |
|
وفي حياتي ما زوّدتني زادي |
فدخل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحكم ، فلمّا جلسوا نظر إليهم معاوية ثمّ قال : أتعرفون هذا الشيخ؟ قالوا : لا. فقال معاوية : هذا خليل عليّ بن أبي طالب ، وفارس صفّين ، وشاعر أهل العراق ، هذا أبو الطفيل. قال سعيد بن العاص : قد عرفناه يا أمير المؤمنين! فما يمنعك منه؟ وشتمه القوم ، فزجرهم معاوية وقال : مهلاً فربّ يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعاً ، ثمّ قال : أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل؟ قال : ما أُنكرهم من سوء ولا أعرفهم بخير ، وأنشد شعراً :
فإن تكنِ العداوةُ قد أكنّت |
|
فشرُّ عداوة المرء السبابُ |
فقال معاوية : يا أبا الطفيل ما أبقى لك الدهر من حبّ عليّ؟ قال : حبّ أُم موسى ، وأشكو إلى الله التقصير. فضحك معاوية وقال : ولكن والله هؤلاء الذين حولك لو سُئلِوا عنّي ما قالوا هذا. فقال مروان : أجل والله لا نقول الباطل.
الإمامة والسياسة (١ / ١٥٨) ، مروج الذهب (٢ / ٦٢) ، تاريخ ابن عساكر
__________________
(١) كذا والصحيح كما في مروج الذهب [٣ / ٢٦] : ولكنك وإيّاه. (المؤلف)
(٢) ديوان عَبِيد بن الأبرص : ص ٥٦.