عثمان (١) وهو يخطب الحاجّ يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف ، فلمّا أتمّها مضى ابن عبّاس في خطبته غير مكترث لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب ، على حين أنّه كان منصوباً من قبله لإمارة الحاجّ ، فلم يعرض لشيء من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه ، وما ذلك إلاّ لإصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلاّ لكان من واجبه الحثّ على الذبّ عنه ، وبيان وجوب إغاثته ، وملء سمعه هذا الحديث الذي عُزي إليه وملء فيه روايته ـ وحاشاه عن روايته ـ وكأنّ الحضرة النبويّة نصب عينيه يتلقّى منه الرواية ، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه.
وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو أنّه لمّا بعثه عثمان أميراً على الحاجّ لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له : يا ابن عبّاس إنّ الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية (٢) تعني عثمان ، فلم يُبد ابن عبّاس لها تجاه تلك الشدّة تجهّماً ولا قولاً ليّناً كمن يوافقها على النزعة ، كما ردّ عليها في حثّها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى تولّيه الأمر ، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئاً من هذه الرواية لرواه لها واتّخذه مستنداً في الدفاع عنه ، فجامع القول أنّ الحبر لم يسمع ممّا تُقوّل عليه شيئاً ، وإنّما هو من مواليد العهد الأمويّ بعد عهد ابن عبّاس.
وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة ، كما أنّ من المستصعب جدّا عرفان أعيانهم وأشخاصهم ، أفيهم أُولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمّار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن عبد قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته؟
__________________
(١) راجع ما مضى في هذا الجزء : ص ١٣٤ ، ١٩٢. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في هذا الجزء صفحة : ٧٨. (المؤلف)