الصالحة عن تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة أيّاماً وليالي تمرّ به عواصف الذلّ والهوان والملأ الديني ينظر إليه من كثب ، والناس قد بايعوا أمير المؤمنين عليّا عليهالسلام وبيده مقاليد الأمور يُسمع قوله ويطاع ، وهو الذي يتحمّس لأمر ما ، يراه الناس هيّناً وهو عنده عظيم ، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته له : «لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها وقُلبها وقلائدها ورعاثها (١) ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام ثمّ انصرفوا وافرين ، ما نال رجلاً منهم كلم ، ولا أُريق لهم دم ، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً ، بل كان به عندي جديراً» (٢).
هذا أمير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته على الإسلام وأهله ولكن :
وابن عفّان حوله لم يجهّز |
|
ه ولا كفّ عنه كفّ أذاها |
لست أدري أكان ذلك مقتاً |
|
من عليّ أم عفَّةً ونزاها |
(فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٣) ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٤).
١٧ ـ أخرج ابن أبي الدنيا ؛ من طريق فرج بن فضالة الدمشقي ، عن مروان بن أبي أُميّة ، عن عبد الله بن سلام ، قال : أتيت عثمان لأُسلّم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال : مرحباً بأخي ، مرحباً بأخي ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الليلة في هذه الخوخة ـ قال : وخوخة في البيت ـ فقال : يا عثمان حصروك؟ قلت : نعم. قال : عطّشوك؟ قلت : نعم ، فأدلى دلواً فيه ماء ، فشربت حتى رويت حتى إنّي لأجد برده
__________________
(١) القلب : السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح : القرط. (المؤلف)
(٢) نهج البلاغة : ١ / ٦٩ [ص ٦٩ خطبة ٢٧]. (المؤلف)
(٣) سورة ص : ٢٦.
(٤) البقرة : ١٢٠.