فدخل ، ثمّ خرج آخر فنادى : أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب أبي (١) عمر بن الخطّاب ، وهو عن يسار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبو بكر عن يمينه ، وبينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجل ، فقلت لأبي : من هذا؟ قال : هذا عيسى بن مريم ، ثمّ سمعت هاتفاً يهتف بيني وبينه نور لا أراه ، وهو يقول : يا عمر بن عبد العزيز تمسّك بما أنت عليه واثبت على ما أنت عليه ، ثمّ كأنّه أُذِن لي في الخروج فخرجت ، فالتفت فإذا عثمان بن عفّان وهو خارج من القصر وهو يقول : الحمد لله الذي نصرني ربّي ، وإذا عليّ في أثره وهو يقول : الحمد لله الذي غفر لي ربّي. وذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (٩ / ٢٠٦).
قال الأميني : أنا لا أزال أُرحّب بقوم يحاولون إثبات الحقائق بالأطياف ، ويجابهون ما ثبت في الخارج بالخيال ، فتصوّر لهم ريشة الأوهام عثمان منزّهاً عن كلّ وصمة عرفتها فيه الصحابة العدول من أُمّة محمد الناظرين إليه من كثب والمشاهدين أعماله الناقمين عليه بها ، وقد أهدروا دمه من جرّائها ، وهم الذين يُقتدى بهم وبأقوالهم وأفعالهم عند القوم ويُحتذى مثالهم ، وبأمثال هذه السفاسف يُجرّءون البسطاء على التورّط في المآثم بالنظر إلى هذا الإنسان المغمور فيها في نظّارة مكبّرة تُريه منزّهاً عن دنس كلّ حوب ، منصوراً من الله بعد أن خذلته الصحابة جمعاء.
ولهم هناك نظّارة أُخرى تصغّر المنظور إليه من إمام المسلمين وسيّد الخلفاء خير البشر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين عليهالسلام إلى حدّ أثبتوا له ذنباً مغفوراً.
ألا من مسائل إيّاهم عن أنّه متى صدر هذا الذنب عن إمام المسلمين؟ أحين عدّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه كما في الذكر الحكيم؟ أم حين طهّره الجليل بقوله تعالى :
__________________
(١) عمر بن الخطّاب جدّ عمر عبد العزيز من أمّه أُمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب. (المؤلف)
(٢) البداية والنهاية : ٩ / ٢٣٢ حوادث سنة ١٠١ ه.