يشكّ في قتال هؤلاء إلاّ ميّت القلب (١).
ولم تكن الغايات في حرب معاوية تخفى على أيّ أحد حتى على النساء في خدورهنّ ، فهي كما قالت أُمّ الخير بنت الحريش : إنّها إحَنٌ بدريّة ، وأحقاد جاهليّة ، وضغائن أُحديّة ، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس ، قاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون (٢).
وكيف يكون هذا الطلب مشروعاً والذين وتروا عثمان هم الصحابة العدول كلّهم حتى أنّ طلحة كان أشدّ الناس عليه ، وحسب مروان أنّه أخذ منه ثاره برمية منه جرّعته المنيّة. وقد تثّبط معاوية عن نصرته حتى قتلوه؟
وإن كانت النهضة بثارات عثمان غير مشروعة يمقتها الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما هو المتسالم عليه عند وجوه السلف ـ فكيف يُدرأ بها العذاب عمّن قام بها؟
ولو صدقت الأحلام لوجب أن يكون أصحاب الجمل مكلوئين عن كلّ سوء ، لكن عوضاً عن ذلك وافاهم العذاب من شتّى النواحي وقُتّلوا تقتيلا ، وقطع الله أيدي الذين أخذوا بزمام الجمل حتى وردوا الهلكة صاغرين.
وأمّا معاوية فسل عنه ليلة الهرير ويومه ، فقد قُتل فيهما سبعون ألف قتيل (٤٥) ألفاً من أهل الشام و (٢٥) ألفاً من أهل العراق (٣). وهل استمرّ على الطلب بالثار لمّا تمهّد له عرش الملك؟ أو أنّه اقتنع بالحصول على سلطة غاشمة وملك عضوض؟
__________________
(١) كتاب صفين لابن مزاحم : ص ٢٦٨ [ص ٢٣٨] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٤٨٤ [٥ / ١٩١ الأصل ٦٥]. (المؤلف)
(٢) بلاغات النساء : ص ٣٦ [ص ٥٧] ، العقد الفريد : ١ / ١٣٢ [١ / ٢٢٤] نهاية الأرب : ٧ / ٢٤١ ، صبح الأعشى : ١ / ٢٤٨ [١ / ٢٩٧]. (المؤلف)
(٣) كتاب صفّين لابن مزاحم : ص ٥٤٣ [ص ٤٧٥] تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٧٤ ، ٣١٢ [٧ / ٣٠٤ حواث سنة ٣٦ ه و ٣٤٦ حوادث سنة ٣٧ ه] ، فتح الباري : ١٣ / ٧٣ [١٣ / ٨٤]. (المؤلف)