عبد الرحمن بن عوف ولم يشترطوا كما قال الإيجي (١) إجماع من في المدينة فضلاً عن إجماع الأُمّة. نعم ؛ عقد عبد الرحمن البيعة لصاحبه وسيفه مسلول على رأس الإمام عليّ بن أبي طالب قائلاً له : بايع وإلاّ ضربت عنقك. ولحقه أصحاب الشورى قائلين : بايع وإلاّ جاهدناك. أنساب البلاذري (٢) (٥ / ٢٢).
والتمحّل بحصول الإجماع بعد ذلك تدريجاً لا يُجديهم نفعاً ، فإنّ الخلافة قد ثبتت عندهم بالبيعة الأولى فجاء متمّمو الإجماع بعد ذلك على أساس موطّد.
وأمّا ثانياً : فإنّ من الممكن على فرض التنازل مع التفتازاني أن يكون إجماعهم على خلافة الثلاثة لكونهم معصومين كما ينصّ به هو ، وأمّا الإجماع المنقول عنهم بعدم وجوب العصمة فممّا لا طريق إلى تحصيله من آراء الصحابة ، فمتى سبر التفتازاني نظريّات السلف وهم معدودون بمئات الألوف فعلم من نفسيّاتهم أنّهم لا يرون وجوب العصمة في خلفائهم وهم رهائن أطباق الثرى؟ ومن ذا الذي كان يسعه أن يعلمها فينهيها إلى التفتازاني وهلمّ جرّا إلى دور الصحابة؟ ومتى كانوا يتعاطون المسائل الكلاميّة ويتفاوضون عليها فيحفي هذا خبر ذاك ثمّ ينقله إلى ثالث إلى أن يتسلسل النقل فيشيع؟ والسابر لصحائف دور الخلافة الأولى منذ يوم السقيفة إلى يوم الشورى لا يجد لأمر العصمة في منتديات القوم ذكراً ولا يسمع منه ركزاً ، وإنّما اتّخذوا أمر الخلافة كملوكيّة يتسنّى لهم بها الحصول على أمن البلاد وحفظ الثغور وقطع السارق والاقتصاص من القاتل وما إلى هذه من لداتها كما فصّلنا القول فيه تفصيلاً (٧ / ١٣٦) وعلى ذلك جرى العلماء والمتكلّمون ، فليس لهم في الشروط النفسانيّة من العلم والتقوى والقداسة أخذ ولا ردّ إلاّ كلمات سلبيّة حول اشتراطها ، ومتى كانت الخلافة عند السلف إمرة دينيّة حتى يبحثوا عن حدودها؟ ولم تكن إلاّ سياسة وقتيّة مدبّرة بليل.
__________________
(١) مرّت كلمته في الجزء السابع : ص ١٤١. (المؤلف)
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٢٨.