لها تقحّم ، فَمُني الناس لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذا سفّوا وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هنٍ وهنٍ ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته» (١).
تُعرب هذه الخطبة الشريفة عن رأيه عليهالسلام في الخلافة ، وكلّ جملة منها تشهد على عدم العصمة المزعومة ، أو تمثّل أُولئك المعصومين للملإ بعُجرهم وبُجرهم ، أضف إليها
قوله عليهالسلام من كتاب له إلى معاوية : «ذكرت إبطائي عن الخلفاء ، وحسدي إيّاهم ، والبغي عليهم ، فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأمّا الكراهة لهم فو الله ما أعتذر للناس من ذلك ، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت وعمل به الناس ما قد بلغك» (٢).
وقوله عليهالسلام من خطبة له لمّا أراد المسير إلى البصرة : «إنّ الله لمّا قبض نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة ، فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم ، والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يُمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقلّ خلق ، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً ، ثمّ انتقلوا إلى دار الجزاء ، والله وليّ تمحيص سيّئاتهم والعفو عن هفواتهم» (٣).
__________________
(١) راجع الجزء السابع : ص ٨١ ـ ٨٥. (المؤلف)
(٢) العقد الفريد : ٢ / ٢٨٦ [٤ / ١٣٨]. (المؤلف)
(٣) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٠٢ [١ / ٣٠٨ الخطبة ٢٢]. (المؤلف)