ولتقديس ذيل هذا الثقة الأمين عن رجاسة النبيذ جاء الخطيب البغدادي (١) بما رواه عن محمد بن أحمد بن رزق ، عن محمد بن الحسن بن زياد النقّاش ، قال : سمعت إدريس بن عبد الكريم الحدّاد يقول : كان خلف بن هشام يشرب من الشراب على التأويل ، فكان ابن اخته يوماً يقرأ عليه سورة الأنفال حتى بلغ (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (٢) فقال يا خال! إذا ميّز الله الخبيث من الطيّب أين يكون الشراب؟ قال : فنكّس رأسه طويلاً ثم قال : مع الخبيث. قال : فترضى أن تكون مع أصحاب الخبيث؟ قال : يا بنيّ امض إلى المنزل فاصبب كلّ شيء فيه ، وتركه ، فأعقبه الله الصوم ، فكان يصوم الدهر إلى أن مات.
حبّذا هذا التنزيه لو صدقت الأحلام ، وهو وإن كان معقولاً أحسن من رأي الإمام أحمد من أنّه الثقة الأمين شرب أو لم يشرب. فإنّه رأي تافه لا تساعده البرهنة ولا يوافقه الشرع والعقل والمنطق ، والله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٣) غير أنّ من المأسوف عليه جدّا بطلان إسناده لمكان محمد بن الحسن النقّاش ، فإنّه كذّبه طلحة بن محمد ، ووهّاه الدارقطني ، ودلّسه أبو بكر ، وقال البرقاني : كلّ حديثه منكر ، وذكر عنده تفسيره فقال : ليس فيه حديث صحيح. وكلّ هذا ذكره الخطيب نفسه فبما ذا يُنزّه الرجل؟ وأنّى يتأتّى له أمله.
وإنّي أشكر من انتهى إليه وضع هذه الأكذوبة على أنّه لم يذكر مع القوم مولانا أمير المؤمنين عليّا عليهالسلام الذي هو أربى من كلّهم في جميع الصفات المذكورة ؛ فإنّه يُرفع عن أن يُذكر في عداده أيّ أحد ، كما أنّ فضائله أربى من أن تُذكر معها فضيلة.
وهاهنا لا نناقش متن الرواية في الأوصاف التي حابت القوم بها ، فلعلّ فيها ما
__________________
(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٣٢٥ رقم ٤٤١٧.
(٢) الأنفال : ٣٧.
(٣) الحجرات : ٦.