هو مدعوم بالبرهنة ، فيشهد على كون أبي بكر أرحم الأُمّة إحراقه الفجاءة ، وغضّه الطرف عن وقيعة خالد بن الوليد في بني حنيفة وخزايته مع مالك بن نويرة وزوجته (١) ، وعدم اكتراثه لأمر الصدّيقة فاطمة في دعواها ، وكانت له مندوحة عن مجابهتها باسترضاء المسلمين واستنزال كلّ منهم عن حصّته من فدك إن غاضينا القوم على الفتوى الباطلة والرواية المكذوبة في انقطاع إرث النبوّة خلافاً لآيات المواريث المطلقة وإرث الأنبياء خاصّة ، على أنّ فاطمة سلام الله عليها وابن عمّها ما كانا يجهلان بما تفرّد بنقله أبو بكر وصافقته على قوله سماسرته من الساسة لأمر دبّر بليل ، وأمير المؤمنين عليهالسلام أقضى الأمّة وباب مدينة علم النبي ، والصدّيقة فاطمة بضعته وما كان يشحّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليها من إفاضة العلم ولا سيّما علم الأحكام وعلى الأخصّ ما يتعلّق بها ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلم أنّها سوف تقيم الدعوى على صحابته المتغلّبين على فدك وأنّها ستُمنع عنها ويحتدم بينها وبينهم الشجار ، ويستتبع ذلك انشقاقاً بين الأُمّة إلى يوم القيامة ، فمن مزدلفة إلى بضعة النبوّة ، ومن جانحة إلى من منعها عن حقّها ، فكان من الواجب أن يسبق صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ابنته بتفصيل حكم هذا شأنه قبل أبي بكر.
ألم تكن لأبي بكر مندوحة تصحّح إقطاع فاطمة فدكاً وردّها إليها حتى لا يفتح باب السوأة على الأُمّة كما ردّها عمر إلى ورثة النبيّ الأقدس ، وأقطعها عثمان مروان ، وأقطعها معاوية مروان وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية على الأثلاث ، إلى ما رأى فيها الخلفاء بعدهم من التصرّف كتصرّف الملاّك في أملاكهم (٢)؟
سل عن صفة أبي بكر هذه فاطمة وهي صدّيقة يوم خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها : «يا أبت يا رسول الله ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة!!» (٣).
__________________
(١) راجع الجزء السابع : ص ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ـ ١٦٨. (المؤلف)
(٢) راجع : ٧ / ١٩٤ ـ ١٩٥. (المؤلف)
(٣) راجع : ٧ / ٧٧. (المؤلف)