مغضبة؟ أو أنّه ما كان يتحرّى صالح الأُمّة وصلاح من يسوسها؟
إنّ من العصيب أن نعترف بأنّه ما كان يعرف عامراً وصلاحه ، فقد كان يسير بذكره الركبان ، وهبّت بأريج فضله النسائم في الأجواء والأرجاء ، وفي طيّات المعاجم والسِّير اليوم نماذج من تلكم الشهرة الطائلة عن عامر بين العباد وفي البلاد يوم ألزم نفسه أن يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة (١) فكانوا يعدّونه من أولياء الله المقرّبين ، وأوّل الزهّاد الثمانية ، وذكروا له كرامات ومكرمات.
أفمن الممكن إذن أن لا يعرفه الخليفة؟ ولم يكن فيما ينكره إلاّ ما أصفقت على إنكاره أهل الحلّ والعقد يومئذٍ من الصالح العام في الحواضر الإسلاميّة كلّها ، غير أنّهم لم يجدوا ـ كما أنّ عامراً لم يجد ـ أُذناً مصغية لهتافهم ، فتكافأ دؤوب الخليفة على التصامم ودؤوب القوم على الإنكار حتى استفحل الخطب ودارت الدوائر.
وهلمّ معي ننظر إلى رواية الضعفاء رواية كذّاب متروك ، عن مجهول منكر ، عن وضّاع متّهم بالزندقة متّفق على ضعفه : السري ، عن شعيب ، عن سيف بن عمر ، عن محمد وطلحة : أنّ عثمان سيّر حمران بن أبان أن تزوّج امرأة في عدّتها وفرّق بينهما وضربه وسيّره إلى البصرة ، فلمّا أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي يحبّ ، أذن له فقدم عليه المدينة ومعه قوم سعوا بعامر أنّه لا يرى التزويج ، ولا يأكل اللحم ، ولا يشهد الجمعة فألحقه عثمان بمعاوية ، فلمّا قدم عليه رأى عنده ثريداً فأكل أكلاً عربيّا (٢) ، فعرف أنّ الرجل مكذوب عليه فعرّفه معاوية سبب إخراجه ، فقال : أمّا الجمعة فإنّي أشهدها في مؤخّر المسجد ثمّ أرجع في أوائل الناس ، وأمّا التزويج فإنّي
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر : ٧ / ١٦٩ [٢٦ / ١٧ رقم ٣٠٥٢ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٢٧٧] ، الإصابة : ٣ / ٨٥ [رقم ٦٢٨٤]. (المؤلف)
(٢) كذا في كامل ابن الأثير ، وفي بقية المصادر : أكلاً غريباً.