على الفاحشة هو بنفسه ؛ وذلك أنه تزوّج امرأة في العدّة ، فضربه ونفاه إلى البصرة (١) وأسرّ إليه سرّا فأخبر به عبد الرحمن بن عوف ، فغضب عليه عثمان ونفاه (٢). وقال البلاذري في الأنساب (٣) (٥ / ٥٧) : كان عثمان وجّه حُمران إلى الكوفة حين شكا الناس الوليد بن عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الوليد ، فلمّا قدم على عثمان كذب عن الوليد وقرّظه. ثمّ إنّه لقي مروان فسأله عن الوليد فقال له : الأمر جليل فأخبر مروان عثمان بذلك ، فغضب على حمران وغرّبه إلى البصرة لكذبه عليه وأقطعه داراً.
كيف وثق خليفة المسلمين بخبر إنسان هذا شأنه من الفسق والتهوّر ، والله جلّ اسمه يقول : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٤).
ثمّ اعجب أنّ حمران نفاه الخليفة على فسقه وأقطعه داراً لجمع شمله ، والعبد الصالح أبو ذر الغفاري الصادق المصدوق أُجفل إلى الربذة ، وتُرك في البرّ الأقفر لا يأوي إلى مضرب ، ولا يظلّه خباء ، هذا من هوان الدنيا على الله.
وهل الخليفة عرف عامراً ومكانته في الأُمّة ومنزلته من الزهد والتقوى ومحلّه من التعبّد والنزاهة ، فأصاخ فيه إلى قول الوشاة وأشخصه إلى المدينة مرّة وسيّره إلى الشام على القتب أخرى ، وأزرى به وأهانه حين مثل بين يديه؟ أو أنّه لم يعرفه ولا شيئاً من فضله ، فوثق بما قالوه؟ وكان عليه أن يعرفه لمّا علم بسفارته من قبل وجهاء البصرة وأهل الحريجة والتقوى ، ذوي الحلوم الراجحة ، والآراء الناضجة ، فإنّهم لا يرسلون طبعاً إلاّ من يرضونه في مكانته وعلمه وعقله وتقواه. وهل كان فيما يقوله
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٥ / ٩١ [٤ / ٣٢٧ حوادث سنة ٣٣ ه] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٦٠ [٢ / ٢٧١ حوادث سنة ٣٣ ه]. (المؤلف)
(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٤ [٣ / ٢٢]. (المؤلف)
(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ١٧٢.
(٤) الحجرات : ٦.