العطاء ، ومن ممقوت ينظر إليه شزراً ، ومن مضروب تُدق به أضالعه ، إلى مشتوم يُهتك في الملأ الديني. لما ذا ذلك كلّه؟ لأنّهم غضبوا للحق ، وأنكروا المنكر ، فهلاّ كان في وسع من يفعل بهم ذلك إقناعهم بالإقلاع عمّا ينكرونه وفيه رضا الله قبل كلّ شيء ، ومرضاة رسوله من بعده ، ومرضاة الأُمّة جمعاء ، وبه كانت تُدحر عنه المثلات وتخمد الفتن ، وكانت فيه مجلبة للمودّة ، ومكتسح للقلاقل ، وهو أدعى لجمام النفس ، وسيادة الأمن ، وإزاحة الهرج ، وكان خيراً له من ارتكاب العظائم بالنفي والضرب والشتم والإزعاج والجفوة. ولو كان الخليفة يرى خطأهم في إنكارهم عليه فإنّه كان في وسعه أن يعقد لهم محتفلاً للتفاهم ، فإمّا أن يتنازلوا عن بعض ما أرادوا ، أو يتنازل هو عن بعض ما يبتغيه ، أو يتكافآ في التنازل فتقع خيرة الكلّ على أمر واحد ، وكان عقد هذا المنتدى خيراً له ممّا عقده للنظر في شأن عامر بن عبد قيس ، وجمع خلقاً من أُصول الجور ، وجذوم الفتن ، وجراثيم العيث والفساد ، فروع الشجرة الملعونة ، وهم الذين جرّوا إليه الويلات بجورهم وفجورهم واستعبادهم الأُمّة وابتغائهم الغوائل ، وهملجتهم وراء المطامع فلم يسمع منهم في ذلك المجتمع ولا في غيره إلاّ رأي مُستغش ، ونظريّة خائن ، أو أفيكة مائن ، أو دسيسة لعين بلسان النبيّ الأقدس مرّة بعد أُخرى ، وهو مع ذلك يراهم وزراءه ونصحاءه وأهل ثقته ، أوَلا تعجب من خلافة يكون هؤلاء وزراءها ونصحاءها وأهل ثقة صاحبها؟!
ثمّ انظر كيف كان التفاهم بين الرجلين : الخليفة وسفير المسلمين إليه ، هذا يذكّره بالتقوى والتوبة إلى الله وينهاه عن ارتكاب العظائم التي استعظمها المسلمون العلماء منهم والقرّاء والنسّاك وذوو الرأي والمسكة ، والخليفة يعدّ ما استعظمته الأُمّة من المحقّرات ، ثمّ يهزأ به ويقذفه بقلّة المعرفة مشفوعاً ذلك باليمين كما قذف به كعباً وصعصعة بن صوحان وسمع منهما ما سمعه من عامر لأنّهم حملة العلم ، والعلم حرف واحد كثّره الجاهلون.
والأعجب كيف يعير الخليفة إلى سعاية حُمران بن أبان أُذناً واعية وقد رآه