«خلائف» هنا سواء كانت بمعنى خلفاء وممثّلي الله في الأرض ، أم بمعنى خلفاء الأقوام السابقين (وإن كان المعنى الثاني هنا أقرب على ما يبدو) فهي دليل على منتهى اللطف الإلهي على البشر حيث أنّه قيّض لهم جميع إمكانات الحياة.
أعطاهم العقل والشعور والإدراك ، أعطاهم أنواع الطاقات الجسدية ، ملأ للإنسان صفحة الأرض بمختلف أنواع النعم والبركات ، وعلّمه طريقة الاستفادة من تلك الإمكانات ، فكيف نسي الإنسان والحال هذه ولي نعمته الأصلي ، وراح يعبد آلهة خرافية ومصنوعة؟!
هذه الجملة في الحقيقة بيان لـ «توحيد الربوبية» الذي هو دليل على «توحيد العبادة». وهذه الجملة أيضا تنبيه للبشر جميعا ليعلموا بأن مكثهم ليس أبديّا ولا خالدا ، فكما أنّهم خلائف لأقوام آخرين ، فما هي إلّا مدّة حتّى ينتهي دورهم ويكون غيرهم خلائف لهم ، لذا فإنّ عليهم أن يتأمّلوا ويفكّروا ماذا يعملون خلال هذه المدّة القصيرة ، وكيف سيذكرهم التأريخ في هذا العالم؟
لذا تردف الآية قائلة : (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً).
الجملتان الأخيرتان في الواقع تفسير الجملة (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) فهما تقيمان دليلين على رجوع الكفر على صاحبه كالآتي :
الأوّل : إنّ هذا الكفر يؤدّي إلى غضب الله الذي أعطى كلّ هذه المواهب.
والثاني : أنّه علاوة على هذا الغضب الإلهي فإنّ هذا الكفر سوف لن يزيد الظالمين إلّا خسارة وضررا بإتلافهم رأس مالهم المتمثّل بأعمارهم ووجودهم ، وشرائهم للشقاء والانحطاط والظلمة ، وأي خسارة أكثر من هذه.
وكلّ واحد من هذين الدليلين كاف لشجب وإبطال ذلك المنهج الباطل في التعامل مع الحياة.
تكرار (لا يَزِيدُ) بصيغة المضارع ، إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان