مجموعة السماوات والأرض ، وفي الحقيقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحيد الخالقية والربوبية بعد نفي شركة أي من المعبودات الوهمية في عالم الوجود فتقول : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (١).
فليس بدء الخلق ـ فقط ـ مرتبطا بالله ، فإنّ حفظ وتدبير الخلق مرتبط بقدرته أيضا ، بل إنّ الخلق له في كلّ لحظة خلق جديد ، وفيض الوجود يغمر الخلق لحظة بعد اخرى من مبدأ الفيض. ولو قطعت الرابطة بين الخلق وبين ذلك المبدأ العظيم الفيّاض ، فليس إلّا العدم والفناء.
صحيح أنّ الآية تؤكّد على مسألة حفظ نظام الوجود الموزون ، ولكن ـ كما ثبت من الأبحاث الفلسفيّة ـ فإنّ الممكنات محتاجة في بقائها إلى موجدها كاحتياجها إليه في بدء إيجادها ، وبذلك فإنّ حفظ النظام ليس سوى إدامة الخلق الجديد والفيض الإلهي.
الملفت للنظر أنّ الأجرام والكرات السماوية ، مع كونها غير مقيّدة بشيء آخر ، إلّا أنّها لم تبرح أماكنها أو مداراتها التي حدّدت لها منذ ملايين السنين ، دون أن تنحرف عن ذلك قيد أنملة ، كما نلاحظ ذلك في المجموعة الشمسية ، فالأرض التي نعيش عليها تواصل دورانها حول الشمس منذ ملايين بل مليارات السنين في مسيرها المحدّد والمحسوب بدقّة والذي يتحقّق من التوازن بين القوى الدافعة والجاذبة ، كما أنّها تدور في نفس الوقت حول نفسها ، ذلك بأمر الله.
وللتأكيد تضيف الآية قائلة : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ).
فلا الأصنام التي صنعتموها ولا الملائكة ، ولا غير ذلك ، لا أحد غير الله قادر على ذلك.
وفي ختام الآية ـ لكي يبقى طريق الأوبة والإنابة أمام المشركين الضالّين مفتوحا يقول تعالى محبّذا لهم التوبة في كلّ مرحلة من الطريق (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً
__________________
(١) جملة «أن تزولا» تقديرها «لئلا تزولا» أو «كراهة أن تزولا».