بعد استعراضنا لأشكال القمر ومنازله يتّضح تماما معنى الجملة التالية (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (١).
وفي الحقيقة فإنّ الشبه بين العرجون والهلال من جوانب عديدة : من ناحية الشكل الهلالي ، ومن ناحية اللون الأصفر ، والذبول ، وإشارة الأطراف إلى الأسفل ، وكونه في وسط دائرة مظلمة تكون في حالة العرجون منسوبة إلى سعف النخل الأخضر ، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة.
والوصف بـ (القديم) إشارة إلى كون العرجون عتيقا ، فكلّما مرّ عليه زمن وتقادم أكثر أصبح ضعيفا وذابلا واصفّر لونه وأصبح يشبه الهلال كثيرا قبل دخوله المحاق.
وسبحان الله فقد تضمّن تعبير واحد قصير كلّ تلك الظرافة والجمال؟
الآية الأخيرة من هذه الآيات ، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلك النظم في السنين والشهور ، والنهار والليل ، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لها نظاما وبرنامجا لا يقع بسببه أدنى اضطراب أو اختلال في وضعها وحركتها ، وبذا ثبت تاريخ البشر وانتظم بشكل كامل ، تقول الآية : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
من المعلوم أنّ الشمس تطوي في دورانها خلال العام الأبراج الإثني عشر ، في حين أنّ القمر يطوي منازله خلال شهر واحد ، وعليه فحركة القمر أسرع من حركة الشمس في مدارها اثنتي عشرة مرّة ، لذا فإنّ الآية تقول بأنّ الشمس بحركتها لا يمكنها أن تدرك القمر في حركته فتقطع في شهر واحد ما تقطعه في سنة واحدة. وبذا يختلّ النظام السنوي لها.
__________________
(١) «عرجون» كما قال أغلب المفسّرين وأهل اللغة : من الانعراج وهو الاعوجاج والانعطاف ، وعليه فالنون زائدة وهو على وزن فعلون ، ويعتقد آخرون أنّه مأخوذ من «عرجن» فالنون ليست زائدة ، وبمعنى : أصل عنقود الرطب المتّصل بالنخلة ، وتوضيح ذلك أنّ الرطب يظهر على شكل عنقود من النخلة ، وأصل ذلك العنقود يكون على شكل مقوّس أصفر اللون يبقى معلّقا في النخلة ، و «قديم» : بمعنى العتيق الذي مضى زمنه.