العالم الآخر يكون كلاهما على شكل حركة عنيفة وغير متوقّعة ، وسوف نتعرّض إلى تفصيل هذا الموضوع في تفسير الآية (٦٨) من سورة الزمر إن شاء الله.
تضيف الآية التالية : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
نعم فإنّ المشهد مهول ومذهل إلى درجة أنّ الإنسان ينسى جميع الخرافات والأباطيل ولا يتمكّن إلّا من الاعتراف الواضح الصريح بالحقائق ، الآية تصوّر القبور «بالمراقد» والنهوض من القبور (بالبعث) كما ورد في الحديث المعروف «كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون».
ففي البدء يستغربون انبعاثهم ويتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ ولكنّهم يلتفتون بسرعة ويتذكّرون بأنّ أنبياء الله الصادقين ، وعدوهم بمثل هذا اليوم ، فيجيبون أنفسهم قائلين: (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ولكن وا أسفاه إنّنا كنّا نستهزئ بكلّ ذلك!
! وعليه فإنّ هذه الجملة هي بقيّة حديث هؤلاء المتكبّرين الكفرة بالمعاد والبعث ، ولكن البعض ذهب إلى أنّ حديث الملائكة أو المؤمنين ، وذلك على ما يبدو خلاف ظاهر الآية ، ولا داعي ولا ضرورة له ، لأنّ اعتراف الكفّار والمنكرين للمعاد في ذلك اليوم لا ينحصر بهذه الآية ، ففي الآية (٩٧) من سورة الأنبياء (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ).
وعلى كلّ حال ، فإنّ التعبير بـ «مرقد» (١) يوضّح أنّهم في عالم البرزخ كانوا بحالة شبيهة بالنوم العميق ، وكما ذكرنا في تفسير الآية (١٠٠) من سورة «المؤمنون» ، فإنّ البرزخ بالنسبة إلى أكثر الناس الذين هم على الوسط من الإيمان أو الكفر هو حالة شبيهة بالنوم ، وفي حال المؤمنين أصحاب المقامات
__________________
(١) يأتي تارة بمعنى اسم مكان ، واخرى اسم للنوم ، أي مصدر ميمي.