«ليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب ، فأمّا المؤمن فيعطي كتابه بيمينه ، قال الله عزوجل : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (١).
الآية التالية تشير إلى أحد ألوان العذاب التي يمكن أن يبتلي الله تعالى بها المجرمين في هذه الدنيا ، تقول الآية الكريمة : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) (٢).
وفي تلك الحالة التي يبلغ فيها الرعب الذروة عندهم : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ). فهم عاجزون حتّى عن العثور على الطريق إلى بيوتهم ، ناهيك عن العثور على طريق الحقّ وسلوك الصراط المستقيم!
وعقوبة مؤلمة اخرى لهم : انّنا لو أردنا لمسخناهم في مكانهم على شكل تماثيل حجرية فاقدة للروح والحركة ، أو على أشكال الحيوانات بحيث لا يستطيعون التقدّم إلى الأمام ، ولا الرجوع إلى الخلف : (لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) (٣).
«فاستبقوا الصراط» يمكن أن تكون بمعنى التسابق فيما بينهم للعثور على الطريق الذي يذهبون منه عادة ، أو بمعنى الانحراف عن الطريق وعدم العثور عليه ، على ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن «فاستبقوا الصراط» بمعنى «جاوزوه وتركوه حتّى ضلّوا» (٤).
وعلى كلّ حال ، فطبقا للتفسير الذي قبل به أغلب المفسّرين الإسلاميين ، فإنّ الآيتين أعلاه ، تتحدّثان عن عذاب الدنيا ، وعن تهديد الكفّار والمجرمين بأنّ الله
__________________
(١) تفسير الصافي ، مجلّد ٤ ، صفحة ٢٥٨
(٢) «طمسنا» من طمس ـ على وزن شمس ـ بمعنى إزالة الأثر بالمحو ، هذه الإشارة إلى إزالة ضوء العين أو صورتها بشكل كلّي بحيث لا يبقى منها أثر.
(٣) «مكانتهم» بمعنى محل التوقّف ، وهي إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخرجهم عن إنسانيتهم في محل توقّفهم ، يغيّر أشكالهم ، ويفقدهم القدرة على الحركة ، تماما كالتمثال الخالي من الروح.
(٤) لسان العرب ـ قطر المحيط ـ المنجد «مادّة سبق».