الحقائق بإذن الله.
٣ ـ أنّ أعضاء البدن الإنساني تحتفظ بآثار الأعمال التي قامت بها في الدنيا ، إذ أنّ أي عمل في هذه الدنيا لا يفني ، بل إنّ آثاره ستبقى على كلّ عضو من البدن ، وفي الفضاء المحيط بها ، وفي ذلك اليوم الذي هو يوم الظهور والتجلّي ، ستظهر هذه الآثار على اليد والقدم وسائر الأعضاء ، وظهور تلك الآثار هو منزلة الشهادة. وهذا تماما كما يرد في لغتنا المعاصرة حينما نقول : «عينك تشهد على سهرك» ، أو «الجدران تبكي صاحب الدار».
وعلى كلّ حال ، فإنّ من المسلّمات شهادة الأعضاء في يوم القيامة ، ولكن هل أنّ كلّ عضو يكشف عن فعله فحسب ، أو يكشف عن كلّ الأعمال؟ فلا شكّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب ، لذا فإنّ الآيات القرآنية الكريمة الاخرى تذكر شهادة الاذن والعين والجلد ، كما في الآية (٢٠) من سورة فصلت حين يقول تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أو ما ورد في الآية (٢٤) من سورة النور من قوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
والجدير بالملاحظة أنّه تعالى في سورة النور يقول : (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) وفي الآية مورد البحث يقول : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) ، ومن الممكن أن يكون ما يحصل هناك هو أن يختم على فم المجرم أوّلا لتشهد أعضاؤه ، وبعد أن يرى بنفسه شهادة أعضائه ، يفتح لسانه ، ولأنّه لا مجال للإنكار فإنّ لسانه أيضا يقرّ بالحقيقة.
وكذلك يحتمل أن يكون المقصود من كلام اللسان هو الكلام الداخلي الذي ينبعث منه كما في سائر الأعضاء ، وليس نطقه العادي.
آخر ما نريد قوله بخصوص موضوع تكلّم الأعضاء هو أنّ ذلك خاص بالمجرمين ، وإلّا فالمؤمنون حسابهم واضح ، لذا ورد في الحديث عن الباقر عليهالسلام