ومعانيه وفصاحته وبلاغته ، وقد كانت جاذبية القرآن الكريم الخاصّة قد أثّرت حتّى في نفوس الكفّار الذين كانوا أحيانا يأتون إلى جوار منزل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشكل خفي ليلا لكي يستمعوا إلى تلاوته للقرآن في عمق الليل.
وكم من الأشخاص الذين تولّعوا وعشقوا الإسلام لمجرّد سماعهم القرآن الكريم وأعلنوا إسلامهم في نفس المجلس الذي استمعوا فيه إلى بعض آياته.
وهنا حاول الكفّار من أجل تفسير هذه الظاهرة العظيمة ، ولغرض استغفال الناس وصرف أنظارهم من كون ذلك الكلام وحيا إلهيّا ، فأشاعوا تهمة الشعر في كلّ مكان ، والتي كانت بحدّ ذاتها تمثّل اعترافا ضمنيا بتميّز كلام القرآن الكريم.
وأمّا لماذا لا يليق بالرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكون شاعرا ، فلأنّ طبيعة الشعر تختلف تماما عن الوحي الإلهي ، للأسباب التالية :
١ ـ إنّ أساس الشعر ـ عادة ـ هو الخيال والوهم ، فالشاعر غالبا ما يحلّق بأجنحة الخيال ، والحال أنّ الوحي يستمدّ وجوده من مبدأ الوجود ويدور حول محور الحقيقة.
٢ ـ الشعر يفيض من العواطف الإنسانية المتغيّرة ، وهي في حال تغيّر وتبدّل مستمرين ، أمّا الوحي الإلهي فمرآة الحقائق الكونية الثابتة.
٣ ـ لطافة الشعر تنبع في الغالب من الإغراق في التمثيل والتشبيه والمبالغة ، إلى درجة أن قيل «أحسن الشعر أكذبه» ، أمّا الوحي فليس إلّا الصدق.
٤ ـ الشاعر في أغلب الموارد وجريا وراء التزويق اللفظي يكون مجبرا على السعي وراء الألفاظ ، ممّا يضيع الكثير من الحقائق في الأثناء.
٥ ـ وأخيرا يقول أحد المفسّرين : إنّ الشعر مجموعة من الأشواق التي تحلّق منطلقة من الأرض باتّجاه السماء ، بينما الوحي حقائق نازلة من السماء إلى الأرض ، وهذان الاتّجاهان واضح تفاوتهما.
وهنا يجب أن لا ننسى تقدير مقام أولئك الشعراء الذين يسلكون هذا الطريق