ثمّ تؤمر نفس تلك الريح بحمل تلك الغيوم وإرسالها إلى الصحاري الميتة ، لتلقي قطرات المطر الباعثة للحياة فيها.
بعد ذلك ـ بشروط خاصّة ـ تؤمر الأرض والبذور التي نثرت عليها بقبول الماء والنمو والاخضرار ، ومن موجودات حقيرة وعديمة القيمة ظاهرا تنبت موجودات حيّة وكثيرة التنوّع والجمال ، طريّة خضراء ، مفيدة ومثمرة .. تدلّل بدورها على قدرته سبحانه وتعالى ، وتشهد على حكمته ، وتكون نموذجا من البعث الكبير.
في الحقيقة إنّ الآية أعلاه تدعو إلى التوحيد في عدّة جوانب :
«برهان النظم» دليل على الوحدانية ، و «الحركة» تقتضي وجود محرّك لكلّ متحرّك ، ومن جانب آخر فإنّ النعم تدعو إلى شكر المنعم فطريا.
وكذلك فهي دليل على مسألة المعاد من جهات أيضا :
فتكامل الموجودات في حركتها ومسارها وانبعاث الحياة من الأرض الميتة تقول للإنسان : أيّها الإنسان إنّك ترى مشهد المعاد في فصول كلّ عام أمام ناظريك وتحت قدميك.
من اللازم أيضا الالتفات إلى أن (تثير) من مادّة (إثارة) بمعنى النشر والتفريق ، وهي إشارة إلى أنّ توليد الغيوم ناتج عن هبوب الرياح على سطح المحيطات ، لأنّ مسألة حركة الغيوم وردت في الجملة التي بعدها (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ).
واللطيف ما نقرأ في حديث عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حين سأله أحد الصحابة قائلا : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ، وما آية ذلك في خلقه؟
قال : «أما مررت بوادي أهلك ممحلا ثمّ مررت به يهتزّ خضرا»؟
قلت : نعم! يا رسول الله.
قال : «فكذلك يحيي الله الموتى ، وتلك آيته في خلقه» (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٨ ، ص ٥٤٠٩ ، الآية مورد الحديث.