ولنا بحث آخر حول نفس الموضوع أوردناه عند تفسير الآية (٤٨) من سورة الروم.
الآن ، وبعد هذا المبحث التوحيدي ، تشير الآية إلى الاشتباه الخطير الذي وقع فيه المشركون لاعتقادهم بأنّ العزّة تأتيهم من أصنامهم ، وبأنّ الإيمان بالرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سيكون سببا في تخطّف الناس إيّاهم (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا). (١) فتقول الآية: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً).
«العزّة» : على ما يقول الراغب في مفرداته : حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ..
من قولهم : أرض عزاز ، أي صلبة.
ولأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذات الوحيدة التي لا تغلب ، وجميع المخلوقات بحكم محدوديتها قابلة لأن تغلب ، وعليه فإنّ العزّة جميعها من الله ، وكلّ من اكتسب عزّة فمن بحر عزّته اللامتناهي.
في حديث ينقل عن أنس عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ ربّكم يقول كلّ يوم :
أنا العزيز ، فمن أراد عزّ الدارين فليطع العزيز».
وفي الحقيقة إنّ الإنسان العاقل يجب أن يتزوّد بالماء من منبعه ، لأنّ الماء الصافي والوافر متوفّر هناك ، لا في الأواني الصغيرة المحدودة أو الملوّثة في يد هذا وذاك.
وفي حديث عن الإمام الحسن بن علي عليهماالسلام نقرأ بأنّ «جنادة بن أبي أميّة» قال: دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام في مرضه الذي توفّي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة ، من السم الذي سقاه معاوية (لعنه الله) ، فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟
فقال : «يا عبد الله ، بماذا أعالج الموت؟
قلت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
__________________
(١) القصص ، ٥٧.