ثمّ التفت إليّ وقال : ضمن وصايا عديدة : «.. وإذا أردت عزّا بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزوجل» ... الحديث.
ولو لا حظنا بعض الآيات الكريمة في القرآن ، فإنّها تذكرة العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ). (١) إذ أنّ الرّسول والمؤمنين اكتسبوا عزّتهم من شعاع عزّة الباري عزوجل ، وساروا في طريق طاعته.
ثمّ توضّح الآية طريق الوصول إلى (العزّة) فيقول تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
(الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) : طيّب بمحتواه ، وذلك لأجل المفاهيم التي تنطبق على الواقع العيني الظاهر المشرق ، وما هو أطهر وأكثر واقعية من ذات الله تعالى ، ومرآة حقّه وعدالته ، وهؤلاء الصلحاء الذين يسلكون طريق نشر ذلك؟
لذا فقد فسّر «الكلم الطيّب» بأنّه العقائد الصحيحة فيما يخصّ المبدأ والمعاد والنبوّة ، نعم .. فعقيدة صحيحة هكذا تصعد إلى الله ، وتجعل المعتقد بها يحلق هو الآخر ، حتّى يكون في قرب جوار الحقّ تعالى ، وتغمره في عزّة الله ليكون عزيزا.
بديهي أن ينبت من هذا الجذر الطاهر ، ساق وفروع ، ثمرها العمل الصالح ، وكلّ عمل لائق وبنّاء ومفيد ، سواء كانت دعوة إلى الحقّ ، أو حماية لمظلوم ، أو جهادا للظلم والطغيان ، أو تقويم النفس والعبادة ، أو تعلّم ، وبالجملة فكلّ عمل خير يدخل في هذا المفهوم الشامل الواسع ، إذا كان لأجله سبحانه ـ فقط ـ ولأجل كسب رضاه فهو يصعد إليه ، ويعرج في سماء لطفه سبحانه ويكون سببا في تكامل ومعراج صاحبه حتّى يجعله أهلا للتعزّز بعزّة الحقّ تعالى.
وذلك هو ما أشارت إليه الآية (٢٤) من سورة إبراهيم : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).
__________________
(١) المنافقون ، ٨.