وزعمكم بأنّ آيات الله هي (شعر) ورسوله (مجنون) إضافة إلى ظلمكم وارتكابكم القبائح.
آخر آية في هذا البحث ، والتي هي ـ في الحقيقة ـ مقدّمة للبحث المقبل ، تستثني مجموعة من العذاب ، وهي ـ مجموعة عباد الله المخلصين (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١).
وكلمة (عِبادَ اللهِ) يمكنها لوحدها أن تبيّن ارتباط هذه المجموعة بالله سبحانه وتعالى ، وعند ما تضاف إليها كلمة مخلصين فإنّها تعطي لتلك الكلمة عمقا وحياة ، و «مخلص» (بفتح اللام) جاءت بصيغة اسم مفعول ، وتعني الشخص الذي أخلصه الله سبحانه وتعالى لنفسه ، أخلصه من كلّ أشكال الشرك والرياء ومن وساوس الشياطين وهوى النفس.
نعم فهذه المجموعة لا تحاسب على أعمالها ، وإنّما يعاملها الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه ، ويمنحها من الثواب بغير حساب.
* * *
ملاحظة
الإمعان في آيات القرآن الكريم يبيّن أنّ كلمة (مخلص) بكسر اللام ، قد استخدمت بكثرة في المواقع التي تتحدّث عن حالة الإنسان الذي يعيش مراحل بناء نفسه ، ولم يصل إلى التكامل ، أمّا كلمة (مخلص) بفتح اللام ، فتطلق على مرحلة وصل فيها الإنسان إلى مرتبة يصان فيها من نفوذ وساوس الشيطان إلى قلبه ، بعد أنّ اجتاز مرحلة جهاد النفس ومراحل المعرفة والإيمان ، كما أنّ القرآن ينقل عن إبليس الخطاب التالي لله سبحانه وتعالى (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
هذه الآية تكرّرت عدّة مرّات في القرآن ، وهي توضّح عظمة مقام المخلصين ،
__________________
(١) العبارة هذه (استثناء منقطع) من ضمير (تجزون) أو (لذائقو).