ومتلألئة وتعطي لذّة للشاربين بها (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
وكلمة (بيضاء) اعتبرها بعض المفسّرين صفة لكؤوس الشراب ، فيما اعتبرها البعض الآخر صفة للشراب الطهور ، ويعني أنّ ذلك الشراب ليس كالأشربة الملوّنة في الدنيا ، بل إنّها أشربة طاهرة ، خالية من الألوان الشيطانية ، وبيضاء اللون شفّافة.
وبالطبع فإنّ المعنى الثاني أنسب لجملة (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
الآية السابقة التي تطرّقت إلى الشراب والكؤوس ربّما تجلب إلى الأذهان مفاهيم اخرى ، أمّا الآية التي تليها فتطرد في جملة قصيرة كافّة تلك المفاهيم عن الأذهان (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ).
أي أنّ ذلك الخمر هو شراب طاهر لا يفسد العقل ، ولا يؤدّي إلى السكر والغفلة ، وإنّما يؤدّي إلى اليقظة والنشاط وفيه متعة للروح.
وكلمة (غول) على وزن (قول) تعني الفساد الذي ينفذ إلى الشيء بصورة غير محسوسة ، ولهذا يقال في الأدب العربي لعمليات القتل التي تتمّ بصورة سريّة أو خفية بأنّه (قتل غيلة).
وكلمة (ينزفون) من مادّة (نزف) على وزن (حذف) وتعني فقدان الشيء تدريجيّا ، وعند ما تستخدم هذه الكلمة بشأن آبار المياه ، فإنّها تعطي معنى استخراج الماء من البئر تدريجيّا حتّى ينضب ، ويقال «نزيف الدم» وهو خروج الدم من الجسد تدريجيّا حتّى ينتهي تماما.
على أيّة حال ، فإنّ المقصود في هذه الآية ذهاب العقل تدريجيّا والوصول إلى حالة السكرة ، أمّا خمر الجنّة الطاهر فإنّه لا يسكر على الإطلاق ، إذ لا يذهب بالعقل ولا يسبّب أي مضارّ.
هاتان العبارتان تتطرّقان في آن واحد ـ بصورة ضمنية ودقيقة ـ إلى الشراب في عالم الدنيا والذي ينفذ إلى حياة الإنسان بصورة تدريجية وسرية ، ويوجد عنده حالات الفساد والضياع ، حيث أنّها لا تؤدّي بعقل الإنسان وأعصابه إلى