الدمار فحسب ، بل إنّ تأثيرها السلبي والذي لا يمكن إنكاره يمتدّ إلى جميع أعضاء جسم الإنسان ، إلى القلب وحتّى الشرايين ، وإلى المعدة والكلية والكبد ، وأحيانا تودي بحياة الإنسان وكأنّها تقتله غيلة ، وكذلك تأثيرها على عقل وذكاء الإنسان يشبه عملية سحب ماء البئر تدريجيّا حتّى يجفّ.
ولكن الشراب الطهور الإلهي في يوم القيامة لا يحمل هذه الصفات (١).
أمّا القسم السادس ، فإنّه يشير إلى الحور العين في جنّات النعيم (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) ، أي نرزقهم زوجات لا يعشقن سوى أزواجهن ويقصرن طرفهن عليهم فقط ، ولهذه الزوجات أعينا واسعة وجميلة.
(طرف) في الأصل تعني جفن العين ، وهذه الكلمة كناية عن النظر ، إذ أنّ أجفان العين تتحرّك عند ما ينظر الإنسان إلى شيء ما ، إذن فإنّ عبارة (قاصِراتُ الطَّرْفِ) تعني النساء اللواتي ينظرن نظرة قصيرة ، كما أنّ هناك تفسيرات متعدّدة وردت بهذا الشأن يمكن درجها كالتالي :
الأوّل : هو أنّهن ينظرن إلى أزواجهنّ فقط ، ولا تمتد أبصارهنّ إلى سواهم.
والثاني : هذا التعبير كناية عن كونهنّ لا يعشقنّ إلّا أزواجهنّ ، وقلوبهم متيّمة بمحبّتهم ، ولا توجد محبّة اخرى في قلوبهنّ ، وهذا هو أكبر امتياز للمرأة التي تحبّ زوجها وتتأمّل به.
والتّفسير الثالث : هو أنّ لهنّ أعين سكرى ، هذه الحالة الخاصّة التي طالما وصف فيها الشعراء جمال العين في قصائدهم (٢).
__________________
(١) الضميران (فيها) و (عنها) يعودان على «الخمر» التي لم ترد بصورة مباشرة في الجملة ، لكن ذلك يتّضح من سياق الكلام ، وكما هو معروف فإنّ الخمرة هي مؤنث مجازي و (عن) في (عنها) إنّما هي لبيان العلّة ، وتعني أنّ هذه الخمرة لا تسكر هؤلاء ولا تفقد عقلهم وشعورهم ، ويجب الالتفات إلى أنّ للخمر معنيان مشتركان ، إذ هي أحيانا تطلق على شراب يثير الفساد ويذهب بالعقل (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...) (المائدة ـ ٩٠) ، وأحيانا تطلق على الشراب الطاهر الذي يعطي لعباد الله المخلصين في جنان الخلد (وَأَنْهارٌ) (مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (محمّد ـ ١٥).
(٢) روح المعاني ، المجلّد ٣٣ ، صفحة ٨١.