في الدنيا ، أصدقائهم الذين انفصلوا عنهم في الطريق ، ولم يجدوا لهم أي أثر في الجنّة ، فيسعون إلى معرفة مصيرهم.
نعم ، ففي الوقت الذي كانوا فيه منشغلين بالحديث والسؤال عن أحوال بعضهم البعض ، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ).
فجأة خطر في ذهن أحدهم أمر ، فالتفت إلى أصحابه قائلا : لقد كان لي صديق في الدنيا (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ).
ومع الأسف ، فإنّه انحرف عن الطريق الصحيح ، وصار منكرا ليوم البعث ، وكان دائما يقول لي : هل تصدّق هذا الكلام وتعتقد به؟ (يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ).
هل أنّنا إذا متنا وكنا ترابا وعظاما نحيا مرّة اخرى ، لنساق إلى الحساب ، والجزاء على ما اقترفناه من أعمال؟ إنّ هذا ممّا لا ينبغي أن يصدق : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) (١).
وهنا يخاطب من كان يتحدّث معهم من أهل الجنّة ، بالقول : ليتني أعرف أين هو الآن؟ وفي أيّة ظروف يعيش؟ فمكانه خال بيننا ..
ويضيف : أيّها الأصدقاء ، هل تستطيعون البحث عنه ، ومعرفة حاله ، (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) (٢).
وأثناء بحثه عن قرينه وصديقه ينظر إلى جهنّم ، ويرى فجأة صديقه وسط جهنّم (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) (٣).
فيخاطبه قائلا : أقسم بالله لقد كدت أن تهلكني وتسقطني فيما سقطت فيه (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) (٤).
__________________
(١) (مدينون) من مادّة (دين) وتعني الجزاء ، وهنا تعني : هل أنّنا سنجزى.
(٢) (مطّلعون) من مادّة (اطّلاع) وتعني التفتيش والبحث ، والإشراف على شيء من مكان عال ، وأخذ المعلومات.
(٣) (سواء) تعني الوسط.
(٤) (تردين) من مادّة (إرداء) وتعني السقوط من مكان عال ، وهلاك الساقط.