لقد أو شكت أن تؤثّر على صفاء قلبي بوساوسك ، وأن تزجّ بي في الخطّ المنحرف الذي كنت فيه ، فلو لا لطف الله الذي منعني من ذلك ونعمته التي سارعت لمساعدتي ، لكنت اليوم من المحضرين للعذاب مثلك في نار جهنّم (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
فالتوفيق الإلهي كان رفيق دربي ، ولطف هدايته كان الموجّه لي.
وهنا يلقي نظرة اخرى إلى صديقه في جهنّم ، ويقول له موبّخا إيّاه : ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأنّنا لا نموت (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) سوى مرّة واحدة في الدنيا ، وبعدها لا حياة اخرى ولا عذاب (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
الآن انظر ولاحظ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه! فبعد الموت كانت هذه الحياة وهكذا ثواب وعقاب ، والآن توضّحت لك كافة الحقائق ، ولكن ما الفائدة فليس هناك طريق للعودة.
طبقا لتفسير الآيتين الأخيرتين ، فإنّ حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم ، كان مركزا على تذكيره بإنكاره للمعاد في الحياة الدنيا.
لكن بعض المفسّرين يحتملون وجود تفسير آخر للآيتين المذكورتين ، وهو أنّه بعد انتهاء حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم ، يعود إلى أصحابه في الجنّة للتسامر فيما بينهم ، فيقول أحدهم من شدّة الفرح : أحقّا أنّنا لن نموت مرّة اخرى؟ وأنّنا سنعيش هنا خالدين؟ وهل أنّه بعد الموت الأوّل لا يوجد موت آخر ، وتبقى هذه النعم الإلهيّة معنا ، وما نحن بمعذّبين؟
بالطبع هذا الكلام ليس مصدره الشكّ والتردّد ، إنّما هو نتيجة شدّة الفرح والسرور ، فمثلهم كمثل الإنسان الذي يحصل بعد مدّة من الأمل والانتظار على بيت واسع وفخم ، فيقول وهو متعجّب : كلّ هذا لي؟ يا ربّي! ما هذه النعمة! وهل ستبقي عندي؟
على كلّ حال ، هنا اختتم الحديث بجملة عميقة المعاني وحسّاسة ومؤثّرة جدّا ،