مرّة اخرى استخدم في هذه الآيات أسلوب (الإجمال والتفصيل) الأسلوب الذي استخدمه القرآن في نقل العديد من الحوادث.
الآية الاولى تشير إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ).
«المنّة» في الأصل من «المنّ» ويعني الحجر الذي يستعمل للوزن ، ثمّ أطلق على النعم الكبيرة والثقيلة ، فلو كانت لها جنبة عملية وموضوعية فالمنّة جميلة ومحمودة ، ولو اقتصرت على اللفظ والكلام فهي سلبية ومذمومة ، والغالب إنّها تستعمل في المحاورات العرفية بالمعنى الثاني ، وهذا هو السبب في تداعي المفهوم السلبي من هذه الآيات الكريمة ، ولكن لا بدّ من القول انّ هذه المفردة وردت في اللغة والآيات الكريمة بمعناها الواسع الذي يشمل المفهوم الأوّل منها. (أي منع النعم والمواهب الكبيرة).
وعلى كلّ حال فانّ الله سبحانه وتعالى أنعم على الأخوين موسى وهارون بنعمة عظيمة.
أمّا الآيات التي تلتها فتشرح سبعة من هذه النعم ، وكلّ واحدة منها أفضل من أختها.
ففي المرحلة الاولى ، يقول سبحانه وتعالى : (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
فهل هناك قلق أكثر من هذا ، وهو أنّ بني إسرائيل يعيشون في قبضة الفراعنة المتجبّرين الطغاة؟ يذبحون أولادهم ويسخّرون نساءهم في خدمتهم ، ويستعبدون رجالهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقّة.
أليس فقدان الحرية والابتلاء بسلطان جائر لا يرحم الكبير ولا الصغير ، حتّى يبلغ به طغيانه إلى أن يتلاعب بنواميس الناس وشرفهم ، أليس هذا كربا عظيما ، وألما شديدا ، إذن فإنقاذهم من قبضة فراعنة مصر المتجبّرين ، كانت أوّل نعمة يغدقها الباري عزوجل على بني إسرائيل.