إثارة للدهشة. فأين الثرى من الثريّا .. أين ذلك التراب الميّت الجامد من الإنسان الحي العاقل الفطن المبتكر؟! وأين تلك النطفة الحقيرة التي تتكوّن من بضع قطرات من الماء المتعفّن من ذلك الإنسان الراشد الجميل والمجهّز بالحواس والأجهزة العضوية المختلفة (١).
بعد هذه المرحلة ، تأتي مرحلة تقسيم النوع البشري إلى جنسين «المذكّر» و «المؤنّث» بالفروقات الكثيرة في الجسم والروح ، والأمور الفسلجية التي تبدأ بالتحدّد منذ اللحظات الاولى لانعقاد النطفة ، واتّخاذ مسيرها الخاص والتكامل في كلّ جنس باتّجاه الرسالة التي انيطت به.
ثمّ تظهر مسألة رسالة الامّ في قبول وتحمّل ذلك الحمل وحفظه وتغذيته وتربيته والتي حيّرت العلماء لقرون طويلة ، حتّى اعترفوا بأنّها من أعجب مسائل الوجود.
وآخر مرحلة في هذا المسير هي مرحلة الولادة ، وهي مرحلة تحوّل كامل تقترن بعجائب كثيرة.
فما هي العوامل التي تدفع الجنين إلى الخروج من بطن امّه؟
كيف يتمّ التنسيق بين هذا الأمر وبين إعداد جسم الامّ لتحقّق ذلك الأمر؟
كيف يتمكّن الجنين بعد تعوّده على وضع ما لمدّة تسعة أشهر ، أن يلبس وضعا جديدا ويطبّق كلّ مفرداته الجديدة بلحظة واحدة ، ففي لحظة واحدة يقطع صلته بامّه ، ويتنفّس الهواء الطلق! يتناول طعامه من فمه بدلا من الحبل السرّي! يخرج إلى محيط غارق في النور والإشراق بدلا من محيط بطن امّه المظلم؟! أليست هذه أعظم الدلائل على قدرة الله وعلمه اللامحدودين؟
وهل أنّ هذه المادّة الجامدة الميتة وهذه الطبيعة غير الهادفة يمكنها أن تنظّم
__________________
(١) «نطفة» كما ذكرنا سابقا ، في الأصل بمعنى «الماء» أو بالأخصّ «الماء القليل الصافي» ثمّ أطلقت لهذا السبب على الماء القليل الذي هو مبدأ انعقاد الجنين.