تماما ، ويمسخ كلّ المفاهيم التي بعثوا من أجل ترسيخها ، ويقضي على كلّ القيم الإلهية والإنسانية.
ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ (صالي) مشتقّة من (صلى) وتعني إشعال النار والدخول فيها أو الاحتراق بها و (فاتن) اسم فاعل مشتقّة من (فتنة) وتعني الذي يثير الفتن والذي يضلّ الآخرين.
بعد انتهاء بحثنا حول الآيات الثلاث السابقة التي وضّحت مسألة إختيار الإنسان في مقابل فتن وإغراءات عبدة الأصنام ، نواصل بحثنا حول الآيات الثلاث التالية والتي تتناول المرتبة العالية لملائكة الله ، وتقول مخاطبة عبدة الأصنام : إنّ الملائكة التي كنتم تزعمون أنّها بنات الله لها مقام معيّن ، والجميل في هذه العبارة أنّ الملائكة هي التي تتحدّث عن نفسها (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١).
وتضيف ملائكة الرحمن : وإنّنا جميعا مصطفون عند الله في انتظار أوامره ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ).
وإنّنا جميعا نسبّحه ، وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ).
نعم ، نحن عباد الله ، وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بانتظار سماع أوامره ، إنّنا لسنا أبناء الله ، إنّنا ننزّه الباري عزوجل من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين.
في الحقيقة ، إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة.
الاولى : هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه.
__________________
(١) نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن أهل البيت عليهمالسلام أنّ الأئمّة المعصومين هم المقصودون في هذه الآية ، ومن الممكن أن يكون هذا التّفسير من قبيل تشبيه مقام الأئمّة بالملائكة ، أي كما أنّ للملائكة مقاما وتكليفا معيّنا ، فإنّ لنا مقاما وتكليفا معيّنا أيضا.