والثانية : هي أنّهم مستعدّون دائما لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ، وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين (٢٦) و (٢٧) من سورة الأنبياء (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ).
والثالثة : أنّهم يسبّحون الله دائما وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه.
الآيتان (إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ، وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إنّ الملائكة تريد أن تقول : نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ، وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ، ولا يمكن المقارنة بينهما.
والذي يلفت الانتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال فيه : «ما في السموات موضع شبر إلّا وعليه ملك يصلّي ويسبّح» (١).
وجاء في رواية اخرى : «ما في السماء موضع قدم إلّا عليه ملك ساجد أو قائم» (٢).
وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان جالسا مع مجموعة من أصحابه ، فقال لهم : «أطت السماء وحقّ لها أن تأط! ليس فيها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثمّ قرأ : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)» (٣).
العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتظّ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له.
الآيات الأربع الأخيرة من هذا البحث تشير إلى أحد الأعذار الواهية التي
__________________
(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٥٨١.
(٢) المصدر السابق.
(٣) (الدرّ المنثور) نقلا عن تفسير الميزان المجلّد (١٧) الصفحة ١٨٨.