بحقّه (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) (١).
والتأريخ بيّن كيف أنّ كلّ قوم من تلك الأقوام ابيد بشكل من أشكال العذاب ، وكيف أنّ مدنهم تحوّلت إلى خرائب وأطلال خلال لحظات ، وأصبح ساكنوها أجساد بلا أرواح!!
فهل يتوقّع مشركو مكّة أن يكون مصيرهم أفضل من مصير أولئك من جرّاء الأعمال العدائية التي يقومون بها؟ في حين أنّ أعمالهم هي نفس أعمال أولئك ، وسنّة الله هي نفس تلك السنّة؟
لذا فإنّ الآية التالية تخاطبهم بلغة التهديد الحازمة والقاطعة : ما ينتظر هؤلاء من جرّاء أعمالهم إلّا صيحة سماوية واحدة تقضي عليهم وتهلكهم وما لهم من رجوع ، (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ).
يمكن أن تكون هذه الصيحة مماثلة للصيحات السابقة التي نزلت على الأقوام الماضية ، كأن تكون صاعقة رهيبة أو زلزالا عنيفا يدمّر حياتهم وينهيها.
وقد تكون إشارة إلى صيحة يوم القيامة ، التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ (النفخة الاولى في الصور).
اعترض بعض المفسّرين على التّفسير الأوّل ، واعتبروه مخالفا لما جاء في الآية (٣٣) من سورة الأنفال التي تقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).
أمّا بالنظر إلى أنّ المشركين كانوا لا يعتقدون برسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يؤمنون برسالته ، بالإضافة إلى كون أعمالهم تشابه أعمال الأقوام السابقة التي أهلكت بالصيحات السماوية ، لذا فعليهم أن يتوقّعوا مثل ذلك المصير وفي أيّ لحظة ، لأنّ الآية تتحدّث عن (الانتظار).
كما اعترض آخرون على التّفسير الثاني بأنّ مشركي مكّة لن يبقوا أحياء حتّى
__________________
(١) عبارة (فحقّ عقاب) في الأصل (فحقّ عقابي) ، وقد حذفت الياء منها ، طبقا للمعمول به ، وأبقيت الكسرة لتدلّ عليها. (حقّ) فعل و (عقاب) فاعل ، يعني أنّ عقابي وجب عليهم وسيتحقّق.