إيّاهم كان باطلا.
وتضيف الآيات نقلا عن أهل جهنّم : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ).
نعم ، إنّنا كنّا نسخر من هؤلاء الرجال العظماء ذوي المقام الرفيع ، ونصفهم بالأشرار ، وأحيانا نصفهم بأوصاف أدنى من ذلك ، ونعتبرهم أناسا حقراء لا يستحقّون أن ننظر إليهم ، ولكن اتّضح لنا الآن أنّ جهلنا وغرورنا وأهواءنا هي التي أسدلت على أعيننا ستائر حجبت الحقيقة عنّا ، فهؤلاء كانوا من المقربين لله ومكانهم الآن في الجنّة.
مجموعة من المفسّرين ذكروا تفسيرا آخر لهذه الآية ، إذ قالوا : إنّ مسألة سخريتهم إشارة إلى أحوالهم في عالم الدنيا ، وجملة (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) إشارة إلى أحوالهم في جهنّم ، وتعني هنا أنّ أبصارنا في هذا المكان وبين هذه النيران والدخان لا يمكنها رؤيتهم. ولكن المعنى الأوّل أصحّ.
ومن الضروري الالتفات إلى أنّ أحد أسباب عدم إدراك الحقائق هو عدم أخذها بطابع الجدّ إضافة إلى الاستهزاء بها ، إذ يجب على الدوام مناقشة الحقائق بشكل جدّي للوصول إليها.
ثمّ تخرج الآية الأخيرة بالنتيجة التي تمخّض عنها الجدال بين أهل جهنّم ، وتؤكّد على ما مضى بالقول : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (١).
فأهل جهنّم مبتلون في هذه الدنيا بالخصام والنزاع والحروب. فالنزاع والجدال يتحكّم بهم ، وفي كلّ يوم يتخاصمون مع هذا وذاك.
وفي يوم القيامة ، ذلك اليوم الذي تبرز فيه الأسرار وما تخفيه الصدور ، تراهم يتنازعون فيما بينهم في جهنّم ، فأصدقاء الأمس أعداء اليوم ، والتابعون في الأمس صاروا معارضين اليوم ، ويبقى ـ فقط ـ خطّ التوحيد والإيمان ، خطّ
__________________
(١) (تخاصم أهل النار) بيان لـ (ذلك).