الهادي فإنّه لا يتأثر أبدا بأشدّ الأعاصير ولذا سمّي المحيط الهادي.
نهاية الآية تخاطب مثل أولئك الأشخاص بلغة ملؤها التهديد الصريح والحازم والقاطع : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ).
فهل يمكن أن يكون لإنسان كهذا مصير أفضل من هذا؟!
الآية التالية استخدمت أسلوب المقارنة ، الأسلوب الذي طالما استخدمه القرآن المجيد لإفهام الآخرين القضايا المختلفة ، حيث تقول : هل أن مثل هذا الشخص انسان لائق وذو قيمه : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (١).
أين ذلك الإنسان المشرك والغافل والمتلون والضالّ والمضلّ من هذا الإنسان ذو القلب اليقظ الطاهر الساطع بالنور ، الذي يسجد لله في جوف الليل والناس نيام ، ويدعو ربّه خائفا راجيا؟!
فهؤلاء في حال النعمة لا يدعون أنفسهم في مأمن من العقاب والعذاب ، وفي حال البلاء لا ييأسون من رحمته ، وهذان العاملان يرافقان وجودهم أثناء حركتهم المستمرة بحذر واحتياط نحو معشوقهم.
«قانت» من مادة «قنوت» بمعنى ملازمة الطاعة المقرونة بالخشوع والخضوع.
«آناء» هي جمع (انا) ـ على وزن كذا ـ وتعني ساعة أو مقدارا من الوقت.
التأكيد هنا على ساعات الليل ، لأنّ تلك الساعات يحضر فيها القلب أكثر ، وتقلّ نسبة تلوثه بالرياء أكثر من أيّ وقت آخر.
قدمت الآية السجود على القيام ، وذلك لكون السجود من أعلى درجات العبادة ، وإطلاق الرحمة وعدم تقيّدها بالآخرة دليل على سعة الرحمة الإلهية التي تشمل الحياة الدنيا والآخرة.
__________________
(١) في هذه العبارة شق محذوف ، والتقدير (أهذا الذي ذكرنا خير أمن هو قانت آناء الليل).