مراحل التكامل حتى يوصله إلى المرحلة الأخيرة التي يريدها له ، ثمّ تتجلّى ربوبيته إلى أعلى المراتب والحدود فيسقي بيده عباده الأبرار بالشراب الطهور.
ومن جهة أخرى فإنّ «الطهور» هو الطاهر والمطهر ، وعلى هذا فإنّ هذا الشراب يطهر جسم الإنسان وروحه من كل الأدران والنجاسات ويهبه من الروحانية والنورانية والنشاط ما لا يوصف بوصف : حتى ورد في حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «يطهرهم عن كلّ شيء سوى الله» (١).
إنّ هذا الماء الطهور أفضل من أيّة نعمة وأعلى من كلّ موهبة ، إذ أنّه يمزق ستار الغفلة ، ويزيل الحجب ، ويجعل الإنسان أهلا للحضور الدائم في جوار القرب من الله تعالى ، فإذا كان شراب الدنيا يزيل العقل ويبعد الإنسان عن الله ، فإنّ الشراب الطهور يعطى من يد ساقي الجنّة ، فيجرّد الإنسان عن ما سوى الله ، ليغرق في جماله وجلاله ، وهذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الخفي الموهوب في الجنّة ، ففي حديث روي عن النّبي صلىاللهعليهوآله حول عين الشراب الطهور المستقرة عند باب الجنّة قال : «فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد! ... وذلك قول الله عزوجل (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) (٢).
والظريف في عبارة طهور أنّها لم ترد في القرآن إلّا في موردين : أحدهما في مورد المطر (الفرقان ٤٨) الذي يطهر كل شيء ويحيي البلاد الميتة ، والآخر في مورد الآية التي نحن بصدد بحثها ، وهو الشراب الخاص بأهل الجنّة.
وفي آخر آية من آيات البحث يتحدث حديثا أخيرا في هذا الإطار فيقول : إنّه يقال لهم من قبل ربّ العزّة بأنّ هذه النعم العظيمة ما هي إلّا جزاء أعمالكم في الدنيا (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً). لئلا يتصور أحد أنّ هذا الجزاء وهذه المواهب العظيمة تعطى من دون مقابل ، إنّ كل ذلك جزاء السعي
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤١١.
(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٨٥ ذيل الحديث ٦٠.