من عبادة الله ، فهل ينفعك الاستقلال العسكري شيئا.
ان أسوء أنواع العبودية لا ريب هي السيطرة العسكرية وهي ما دعا إبراهيم ربه ان يأمن أهل مكة منها ، وقد استجاب له ربه دعاءه ، وابرز مظاهره ذلك هلاك أصحاب الفيل ، حيث حمى ربنا البلد الحرام من الاحتلال العسكري ، وهو ما يسمّيه بالطاغوت.
ولكن أصنام العبودية الثقافية ، أو التبعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أخفى خطرا ، ولم يستجب فيها ربنا دعاء إبراهيم ، إذ يتنافى وما قدر الله من حرية البشر في الدنيا.
[٣٦] ولأن أقوى اسلحة الجبت ، وعبادة الأصنام هو الاحساس القوي عند الفرد بضرورة التوافق الاجتماعي ، فان إبراهيم (عليه السّلام) أكد ان الأصنام قد أضللن كثيرا من الناس ، لكي يعرف الإنسان ان اتباع الناس يعني الضلالة في الأغلب فيتحصن ضد غرور الكثرة.
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ)
ان الأصنام تتجسد في قوى اجتماعية ثقافية ، أو اجتماعية وسياسية ، وربما لذلك نسب الضلالة إليهن ، وجاءت بصيغة الجمع فلم يقل أضلت بينما كان ذلك الأنسب الى غير ذوي العقول ، لو كانت الأصنام هذه الأحجار والأخشاب المعبودة.
ومن جهة ثانية : لأن قريشا خدعوا ضمائرهم حين استسلموا لضغوط الأصنام ، وبرروا موقفهم المتخاذل من التوحيد بأنهم أولاد إبراهيم فلا ضير عليهم ، كما فعلت بنوا إسرائيل مثل ذلك ، لذلك أكد إبراهيم (ع) براءته منهم.
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)