ثمّ لم يترك السماوات بعد خلقها عبثا ، انما استوى عليها ، أي يشرف عليها ويأمرها فتأتمر ويزجرها فتزدجر ، وبالتالي هو المسيطر المهيمن على السماوات والأرض ، فلا شيء فيها أقرب اليه من شيء ، لأنه محيط بها جميعا ، علما وقدرة وسلطانا وتدبيرا ، جاء في حديث شريف عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، سألت أبا عبد الله عن قول الله عزّ وجل (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ، فقال : استوى من كلّ شيء ، فليس شيء أقرب اليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى من كلّ شيء. (١)
والعرش هنا بمعنى مركز القدرة والسلطة والتدبير ، وتعالى الله عما يتصوره الجاهلون ، من أن العرش مقام ربنا المادي .. كلا : إن العرش لا يتحمل الرب ، انما الرب هو الذي يحمله ، جاء في حديث مأثور عن الإمام علي عليه السلام قاله لوفد النصارى ورئيسهم جاثليق :
فكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن ربك أيتحمل؟ فقال علي (ع) : إن ربنا جلّ جلاله يحمل ولا يحمل ، قال النصراني : وكيف ذلك ونحن نجد في الإنجيل : «ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» فقال علي (ع) : ان الملائكة تحمل العرش ، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر وربك عزّ وجل مالكه ، لا انه عليه ككون الشيء على الشيء ، وأمر الملائكة بحمله ، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه ، قال النصراني : صدقت يرحمك الله (٢)
وجاء في حديث آخر مأثور عن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن العرش والكرسي فقال : ان للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ سبب وضع في
__________________
(١) المصدر / ص ٣٦٨.
(٢) المصدر.