القرآن صفة على حدة ، فقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) قول : الملك العظيم ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) يقول : على الملك احتوى : وهذا ملك الكيفوفية في الأشياء ، ثمّ العرش في الوصل منفرد من الكرسي لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه يطلع البدع ، ومنه الأشياء كلها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية ، وصفة الارادة ، وعلم الألفاظ والحركات ، والترك وعلم العود والبداء ، فهما في العلم بابان مقرونان ، لان ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي صفته من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان(١)
[٦] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى)
ولم يملّك القرآن أحدا شيئا ، لان الأشياء كلها لله سبحانه ، وهو الذي يحكم فيها ، وإذا أعطى الإنسان شيئا ، فانما يخوله الاستفادة منه ، ويكون في الواقع مستخلفا فيه لا مالكا حقيقيا له.
[٧] (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)
إذا جهرت بكلامك وأعلنته ، فان الله سبحانه لا يعلم ما جهرت به فقط ، وانما أيضا يعلم خلفيات جهرك ، ان كلّ كلمة ينطقها الإنسان جهارا قد يكون من ورائها ألف مقصد ومقصد وكلّ ذلك قد أحاط به الله علما.
__________________
(١) المصدر / ص ٣٦٩.