كذلك موسى كان في تلك الليلة المظلمة الشاتية يسير في صحراء سيناء يبحث عن دفء وعن نور ، يبحث عن دفء يعالج به البرد القارص وعن هدى ونور يضيء به طريقه ، فحينما رأى نارا من بعيد ، كانت تلك النار بالنسبة اليه «أنسا» فاقترب إليها فاذا بها خير من النار ومن النور ، انها (الرسالة) التي تعالج مشكلة الإنسان ، معالجة جذرية ، فتسيّر سفينة عقله وتذكره بربه وتخط له خطا مستقيما الى الله.
إن تصوّر موسى في تلك الليلة ، في تلك الصحراء ، الى جانب وادي طوى ، وهو يكلم الله ، والله يكلمه ويناجيه ، تصور هذا المنظر يبعث إلينا مشاعر مختلطة من السرور والرهبة.
فمن جهة نشعر باننا حينما نضيع في صحراء الحياة فلا بدّ أن نجد ربا يأخذ بأيدينا ، ربا رحيما ودودا الى درجة أنّه يحدثنا. ترى أن الله يناجي موسى بعبارات قصيرة ، ولكنّ موسى يتحدث حديثا طويلا ، حديث موسى مع ربه يكون بنفس طويل ، لأنه وجد في حديث ربه أنسا ، كان يريد أن يبقى طويلا مع ربه ، برغم انه كان قد ترك أهله ينتظرونه ليرجع إليهم بالدفء والهدى ، وهذا هو دائما منظر الإنسان وحالته وعلاقته مع ربه في الحياة ، وهي علاقة الأخذ من دون تكلف ، والاهتداء به من دون خشية أو رهبة.
ويبعث فينا هذا التصور الرهبة ، حيث نخشى بأن يتركنا الرب إذا تركنا هداه.
ففي نفس الوقت الذي ترانا نحتاج الى الله حاجة ملحة فهو رحيم بنا ، ودود معنا ، مع ذلك شديد العقاب ، هذه هي علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى.