وهكذا كلّ صاحب دعوة بحاجة الى شخصية تتجلى فيه رسالته ويكون مثلا أعلى لها ، كما كان هارون لموسى ، وواصف بن برخيا الذي أوتي علما من الكتاب لسليمان ، ويحيى لعيسى بن مريم ، وكما كان علي بن أبي طالب عليه السلام للنبي محمد صلى الله عليه وآله ، وهكذا نجد الرسول يكرر : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا إنّه لا نبي بعدي.
ولقد حدثت واقعة تاريخية : أظهرت الحاجة الى ذلك.
حيث إنّ النبي لما أراد الخروج الى غزوة تبوك استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجره فقال له : يا علي ان المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ، فحسده أهل النفاق وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله وعلموا انها تتحرس به ولا يكون للعدو فيها مطمع ، فساءهم ذلك لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاف عند خروج النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ عنها ، فارجفوا به عليه السلام وقالوا : لم يستخلفه رسول الله إكراما له ولا إجلالا ومودة وإنما استخلفه استثقالا له ، فلما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وفضيحتهم ، فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ان المنافقين يزعمون : أنك انما خلفتني استثقالا ومقتا ، فقال رسول الله (ص) : «إرجع يا أخي الى مكانك فان المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا نبي بعدي؟» (١)
[٣٦] (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)
وهكذا منّ الله على عبده ورسوله موسى بن عمران ، فأتاه كلّ ما سأله مرة واحدة ، لأنه كان من وسائل تبليغ الرسالة ولم تكن طلبات شخصية.
__________________
(١) المصدر / ص ٣٧٨.