لقد فكرت بهذا الموضوع ووصلت الى هذه النتيجة وهي : أن السكوت والصمت في بعض الأحوال يكون أبلغ أثرا من أيّ كتاب أو كلام لسببين :
١ / لأن هذا السكوت يجعل صاحب القضيّة غير عابئ بما يقول السفهاء عنه ، وصامدا أمام محاولات التشكيك من قبل الأعداء.
٢ / ولأنه يجعل الناس يعودون الى أفكارهم ، ويتحملون مسئوليتها ، فليس بالضرورة أن يتكلم الداعية ويهدي الناس بلسانه دائما ، بل يلزم عليه أحيانا أن يدعهم بدورهم يفكرون ، وإذا فكروا فإنهم كثيرا ما يصلون الى الحقيقة ، لذلك بعد الثلاثة أيام استغل زكريا (ع) الموقف ، وأخذ يتحدث مع الناس في مواضيع أخرى غير قضية ولادة يحيى (ع) وما يحيط بها من ملابسات كانت تستغرق منه وقتا طويلا لتبيينها للناس.
وهكذا فان العمل في سبيل الله يتطلب تجاوز الجدال في القضايا الشخصية الى معالجة القضايا العامة ، ونشر القيم الرسالية ، ويشير القرآن الكريم الى هذه الفكرة فيقول
[١١] (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)
كانت الفترة التي اعتزل الناس فيها ، واعتكف في المحراب يعبد الله ولا يتكلم مع أحد ، كافية لكي يفكر الناس ، ويتأمّلوا ، وبالتالي ينتبهوا الى موضوع طالما يغفل الإنسان عنه في غمرة أحداث الحياة وشؤونها ، وهو قدرة الله الّتي تدبر الكون ، وتدبّر أمور العباد ، ولذلك وجد زكريا (ع) الأرضية مهيّأة لأن يدعوهم الى الالتزام بحكم الله وشريعته ، وهذا هو معنى التسبيح العملي.